كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟» وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَدَّهُ، وَلَمْ يَخْفَ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ النَّدْبِ، وَلِذَلِكَ ذُكِرَ فِي سِيَاقِهِ: " وَسِوَاكٌ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا " كَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسِّوَاكُ، وَمَسُّ الطِّيبِ، لَا يَجِبُ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا يَرُوحُونَ إلَى الْجُمُعَةِ بِهَيْئَتِهِمْ، فَتَظْهَرُ لَهُمْ رَائِحَةٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى (١٣٦٤) فَصْلٌ: وَقْتُ الْغُسْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَمَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ اغْتَسَلَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الْغُسْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْغُسْلُ إلَّا أَنْ يَتَعَقَّبَهُ الرَّوَاحُ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَحْدَثَ، أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ، وَكَفَاهُ الْوُضُوءُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَاسْتَحَبَّ طَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، إعَادَةَ الْغُسْلِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ، وَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَالْحَدَثُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْغُسْلِ، وَهُوَ التَّنْظِيفُ، وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ، وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ الْحَدَثُ فِي إبْطَالِهِ، كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. (١٣٦٥) فَصْلٌ: وَيَفْتَقِرُ الْغُسْلُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ مَحْضَةٌ، فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ، كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ غُسْلًا وَاحِدًا وَنَوَاهُمَا، أَجْزَأَهُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَكْحُولٍ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ» أَيْ: جَامَعَ وَاغْتَسَلَ، وَلِأَنَّهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute