(٩٩٩) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ، كَالرَّمِيمِ، وَالرَّوْثِ، وَالدَّمِ إذَا جَفَّ، فَاخْتَلَطَتْ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ، لَمْ تَطْهُرْ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تَنْقَلِبُ، وَلَا تَطْهُرُ إلَّا بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ، بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ زَوَالُ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ. وَلَوْ بَادَرَ الْبَوْلَ وَهُوَ رَطْبٌ، فَقَلَعَ التُّرَابَ الَّذِي عَلَيْهِ أَثَرُهُ، فَالْبَاقِي طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ كَانَ رَطْبًا وَقَدْ زَالَ.
وَإِنْ جَفَّ فَأَزَالَ مَا وَجَدَ عَلَيْهِ الْأَثَرَ، لَمْ يَطْهُرْ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا يَبِينُ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ، لَكِنْ إنْ قَلَعَ مَا تَيَقَّنَ بِهِ زَوَالَ مَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ، فَالْبَاقِي طَاهِرٌ. فَصْلٌ: وَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ وَلَا جَفَافٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تَطْهُرُ إذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى أَنَّ الْكِلَابَ كَانَتْ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» .
وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ نَجِسٌ، فَلَمْ يَطْهُرْ بِغَيْرِ الْغَسْلِ، كَالثِّيَابِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبَوْلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ، ثُمَّ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَيَكُونُ إقْبَالُهَا وَإِدْبَارُهَا فِيهِ بَعْدَ بَوْلِهَا. (١٠٠١) فَصْلٌ: وَلَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ بِالِاسْتِحَالَةِ، فَلَوْ أُحْرِقَ السِّرْجِينُ النَّجِسُ فَصَارَ رَمَادًا، أَوْ وَقَعَ كَلْبٌ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا، لَمْ تَطْهُرْ. لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ لَمْ تَحْصُلْ بِالِاسْتِحَالَةِ. فَلَمْ تَطْهُرْ بِهَا، كَالدَّمِ إذَا صَارَ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِالِاسْتِحَالَةِ، فَجَازَ أَنْ يَطْهُرَ بِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute