(٩٥٨) فَصْلٌ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَزْبَلَةَ، وَالْمَجْزَرَةَ، وَمَحَجَّةَ الطَّرِيقِ، وَظَهْرَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْمَوْضِعَ الْمَغْصُوبَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ؛ ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ، وَعَطَنُ الْإِبِلِ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِن. وَذَكَرَهَا، وَقَالَ: وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ، وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ» . وَقَالَ: الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَرْبَعَةِ سَوَاءً.
وَلِأَنَّ الْمَوَاضِعَ مَظِنَّةُ النَّجَاسَاتِ، فَعُلِّقَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا دُونَ حَقِيقَتِهَا، كَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالنَّوْمِ، وَوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ. (٩٥٩) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْعُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَعَبُّدٌ، لَا لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ كُلَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَلَا فَرْقَ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْنَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَمَا تَقَلَّبَتْ أَتْرِبَتُهَا أَوْ لَمْ تَتَقَلَّبْ؛ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ قَبْرٌ أَوْ قَبْرَانِ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا. لِأَنَّهَا لَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْمَقْبَرَةِ. وَإِنْ نُقِلَتْ الْقُبُورُ مِنْهَا، جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ فِي الْحَمَّامِ بَيْنَ مَكَانِ الْغَسْلِ وَصَبِّ الْمَاءِ، وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَسْلَخِ - الَّذِي يُنْزَعُ فِيهِ الثِّيَابُ - وَالْأَتُّونِ وَكُلِّ مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ الْحَمَّامِ؛ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ. وَأَمَّا الْمَعَاطِنُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هِيَ الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا الْإِبِلُ وَتَأْوِي إلَيْهَا.
وَقِيلَ: هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُنَاخُ فِيهَا إذَا وَرَدَتْ. وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُقَابِلَةَ مَرَاحِ الْغَنَمِ. وَالْحُشُّ: الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَيُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيمَا هُوَ دَاخِلُ بَابِهِ. وَلَا أَعْلَمُ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَالْكَلَامِ، فَمَنْعُ الصَّلَاةِ فِيهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِكَوْنِهَا مَظَانَّ لِلنَّجَاسَاتِ، فَهَذَا أَوْلَى؛ فَإِنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْعَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهَا مَظَانُّ لِلنَّجَاسَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْبَرَةَ تُنْبَشُ وَيَظْهَرُ التُّرَابُ الَّذِي فِيهِ صَدِيدُ الْمَوْتَى وَدِمَاؤُهُمْ وَلُحُومُهُمْ، وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ يُبَالُ فِيهَا، فَإِنَّ الْبَعِيرَ الْبَارِكَ كَالْجِدَارِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِهِ وَيَبُولَ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَنَاخَ بَعِيرَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهِ.
وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي حَيَوَانٍ سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ رَبْضِهِ لَا يَسْتُرُ، وَفِي حَالِ قِيَامِهِ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَسْتُرُ. وَالْحَمَّامُ مَوْضِعُ الْأَوْسَاخِ وَالْبَوْلِ، فَنُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لِذَلِكَ. وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute