قَبْلَ عِتْقِهِ، أَوْ يَسْتَوْلِدَ قَبْلَ عِتْقِهِ. وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ إقْرَارَهُ يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَحْرَارِ الْأَصْلِيِّينَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أَقَرَّ بِنَسَبٍ وَإِرْثُ مَجْهُولِ النَّسَبِ، يُمْكِنُ صِدْقُهُ فِيهِ، وَوَافَقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهِ، فَقُبِلَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ مَنْ لَهُ أَخٌ بِنَسَبِ ابْنٍ، وَبِهَذَا الْأَصْلِ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ.
وَلَنَا، مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ، أَنْ لَا تُوَرِّثْ حَمِيلًا، حَتَّى تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ لَا تُوَرِّثْ حَمِيلًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّ مُعْتِقِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَوْلًى لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ شَرِيكُهُ فِي وَلَائِهِ، وَفَارَقَ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُرِّ الَّذِي لَهُ أَخٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ نَتِيجَةُ الْمِلْكِ، فَجَرَى مَجْرَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَبَتَ عَنْ عِوَضٍ، وَالْأُخُوَّةُ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. صَحَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ إلَّا الْوَلَاءُ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ بِعِوَضٍ، كَانَ أَقْوَى مِنْ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا النَّسَبَ فِي الْمِيرَاثِ لِقُرْبِهِ، لَا لِقُوَّتِهِ، كَمَا نُقَدِّمُ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَى الْعَصَبَةِ مَعَ قُرْبِهِمْ. (٨٥٥٦)
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ، لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا فَيَرِثَ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّا بِالنَّسَبِ فِي حَالِ رِقِّهِمَا، لَمْ يَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ التَّوَارُثِ بِالْعِتْقِ. وَإِنْ وُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنٌ مِنْ حُرَّةٍ، فَأَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ، احْتَمَلَ أَنْ يُقْبَلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِقَبُولِهِ، وَانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُ الْأُصُولِ، فَالْفُرُوعُ أَوْلَى فَإِنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا. فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِأَبِي الْآخَرِ أَنَّهُ عَمُّهُ، لَمْ يَثْبُتْ الْإِقْرَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَوَرِثَ عَمُّهُ دُونُ مَوْلَاهُ الْمُعْتِقِ لَهُ.
وَهَلْ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَمِّ فَيَرِثُ ابْنَ أَخِيهِ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ؛ لِانْتِفَاءِ الْوَلَاءِ عَنْ ابْنِ الْأَخِ فَلَا تُفْضِي صِحَّةُ الْإِقْرَارِ إلَى إسْقَاطِ الْوَلَاءِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute