فِي مَوْضِعِ تَخَافُتٍ، أَوْ خَافَتَ فِي مَوْضِعِ جَهْرٍ، أَوْ صَلَّى خَمْسًا، أَوْ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ السَّهْوِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، إلَّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ وَرَدَ النَّصُّ بِسُجُودِهِمَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَهُمَا إذَا سَلَّمَ مِنْ نَقْصٍ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ تَحَرَّى الْإِمَامُ، فَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَمَا عَدَاهُمَا يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ. نَصَّ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ: أَنَا أَقُولُ، كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَسَائِرُ السُّجُودِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ، هُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ، فَيَقْضِيهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ.
ثُمَّ قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي غَيْرِهَا قَبْلَ السَّلَامِ. قُلْت: اشْرَحْ الثَّلَاثَةَ مَوَاضِعَ الَّتِي بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ: سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، هَذَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ. وَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، هَذَا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَوْضِعِ التَّحَرِّي سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَنْ سَهَا فَصَلَّى خَمْسًا، هَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَسْجُدُ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَبِهَذَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ. وَلِأَنَّهُ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَجَبْرٌ لِنَقْصِهَا، فَكَانَ قَبْلَ سَلَامِهَا كَسَائِرِ أَفْعَالِهَا.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ سَجَدَ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَمَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسًا. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ شَكَكْتَ فِيهِ مِنْ صَلَاتِك مِنْ نُقْصَانٍ، مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبِلْ أَكْثَرَ ظَنِّكَ، وَاجْعَلْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ السَّهْوِ فَاجْعَلْهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: سُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَهُ فِعْلُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ. يُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّحَرِّي. وَرَوَى ثَوْبَانُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute