«إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامَ الْأَرْبَعِ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهُمَا وَاحِدَةً، حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ يُسَلِّمْ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِمَا شَكَّ فِيهِ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَوْ لَا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِي الْإِرْشَادِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى فِي الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ كَالْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: بَيْنَ التَّحَرِّي وَالْيَقِينِ فَرْقٌ. أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَيَقُولُ إذَا لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ، جَعَلَهَا اثْنَتَيْنِ. قَالَ: فَهَذَا عَمِلَ عَلَى الْيَقِينِ، فَبَنَى عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَتَحَرَّى يَكُونُ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا، فَيَدْخُلُ قَلْبَهُ شَكٌّ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى اثْنَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ مَا فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا، وَقَدْ دَخَلَ قَلْبَهُ شَيْءٌ، فَهَذَا يَتَحَرَّى أَصْوَبَ ذَلِكَ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
فَظَاهِرُ هَذَا، أَنَّهُ إنَّمَا يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ وَمَتَى كَانَ لَهُ غَالِبُ ظَنٍّ، عَمِلَ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِنَحْوِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَقَالَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، إنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَا أَصَابَهُ، أَعَادَ الصَّلَاةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ» وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ: " بَعْدَ التَّسْلِيمِ ". وَفِي لَفْظٍ: " فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ " وَفِي لَفْظٍ: (فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ لِلصَّوَابِ) . وَفِي لَفْظٍ " فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ ". رَوَاهُ كُلَّهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ: (إذَا كُنْتَ فِي صَلَاةٍ، فَشَكَكْتَ فِي ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَأَكْثَرُ ظَنِّكَ عَلَى أَرْبَعٍ تَشَهَّدْتَ، ثُمَّ سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ) .
فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى مَنْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَنْ لَهُ رَأْيٌ وَظَنٌّ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا فَيَكُونُ أَوْلَى وَلِأَنَّ الظَّنَّ دَلِيلٌ فِي الشَّرْعِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَاخْتَارَ الْخِرَقِيِّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَجَعَلَ الْإِمَامَ يَبْنِي عَلَى الظَّنِّ، وَالْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute