فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ. وَسُئِلَ عَنْ كَلْبٍ وَقَعَ فِي خَلٍّ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ؟ فَقَالَ: هَذَا أَسْهَلُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ. وَعَنْهُ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ، يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَثُرَ، وَمَا لَيْسَ أَصْلُهُ الْمَاءَ، لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي خَلٍّ أَوْ دِبْسٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْخَلُّ فَأَصْلُهُ الْمَاءُ، يَعُودُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَاءً إذَا حُمِلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ: إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمُهَا وَدَمُهَا. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَخُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، فَأَلْقُوهُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا، فَلَا تَقْرَبُوهُ» .
وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَيْسَ بِطَهُورٍ، فَلَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْجَامِدِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَصْبَحَ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تُطْلَى بِهِ سَفِينَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ شُحُومِ الْمَيْتَةِ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ» . وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَلَنَا أَنَّهُ زَيْتٌ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَجَازَ، كَالطَّاهِرِ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَجِينِ الَّذِي عُجِنَ بِمَاءٍ مِنْ آبَارِ ثَمُودَ، أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَكْلِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْلِفُوهُ النَّوَاضِحَ. وَهَذَا الزَّيْتُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ، وَلَا هُوَ مِنْ شُحُومِهَا، فَيَتَنَاوَلَهُ الْخَبَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute