وَالثَّانِي: أَنْ يَتَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ، فَيَكُونَ ذَلِكَ لَوْثًا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَزْدَحِمَ النَّاسُ فِي مَضِيقٍ، فَيُوجَدَ فِيهِمْ قَتِيلٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَوْثٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ بِالزِّحَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: فِدْيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ؛ فَإِنَّ سَعِيدًا رَوَى فِي " سُنَنِهِ "، عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ فِي زِحَامِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَجَاءَ أَهْلُهُ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: بَيِّنَتُكُمْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إنْ عَلِمْت قَاتِلَهُ، وَإِلَّا فَأَعْطِ دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِيمَنْ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: يُنْظَرُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فِي حَيَاتِهِ يَعْنِي عَدَاوَةً يُؤْخَذُونَ. فَلَمْ يَجْعَلْ الْحُضُورَ لَوْثًا، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّوْثَ الْعَدَاوَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، فِيمَنْ مَاتَ فِي الزِّحَامِ: دِيَتُهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ مِنْهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: دَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَاتِلٌ، وَلَا وُجِدَ لَوْثٌ؛ فَيُحْكَمَ بِالْقَسَامَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ كُتِبَ إلَيْهِ فِي رَجُلٍ وُجِدَ قَتِيلًا، لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ: إنَّ مِنْ الْقَضَايَا قَضَايَا لَا يُحْكَمُ فِيهَا إلَّا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا مِنْهَا. الرَّابِعُ، أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ لَا يُوجَدُ بِقُرْبِهِ إلَّا رَجُلٌ مَعَهُ سَيْفٌ أَوْ سِكِّينٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ قَتَلَهُ، مِثْلُ أَنْ يَرَى رَجُلًا هَارِبًا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْقَاتِلُ أَوْ سَبْعًا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ فِيهِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ، فَيَفْتَرِقُونَ عَنْ قَتِيلٍ مِنْ إحْدَاهُمَا، فَاللَّوْثُ عَلَى الْأُخْرَى. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. فَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ لَا تَصِلُ سِهَامُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَاللَّوْثُ عَلَى طَائِفَةِ الْقَتِيلِ. هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ عَقْلَ الْقَتِيلِ عَلَى الَّذِينَ نَازَعُوهُمْ فِيمَا إذَا اقْتَتَلَتْ الْفِئَتَانِ، إلَّا أَنْ يَدَّعُوا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِهِ، فَاسْتَوَى الْجَمِيعُ فِيهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي قَوْمٍ اقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ، وَجُرِحَ بَعْضُهُمْ: فَدِيَةُ الْمَقْتُولِينَ عَلَى الْمَجْرُوحِينَ، تَسْقُطُ مِنْهَا دِيَةُ الْجِرَاحِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا جُرْحَ فِيهِ، فَهَلْ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَاتِ شَيْءٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ. السَّادِسُ، أَنْ يَشْهَدَ بِالْقَتْلِ عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ، فَهَذَا فِيهِ عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ لَوْثٌ؛ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ، فَأَشْبَهَ الْعَدَاوَةَ. وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مَرْدُودَةٌ، فَلَمْ تَكُنْ لَوْثًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ كُفَّارٌ.
وَإِنْ شَهِدَ بِهِ فُسَّاقٌ أَوْ صِبْيَانٌ، فَهَلْ يَكُونُ لَوْثًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute