أَوْ ثَلَاثًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلْت عَلَى عَيْنِيَّ صَبْرًا، فَقَالَ: مَاذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ . قُلْت: إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ، لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ. قَالَ: إنَّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ، لَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ، وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ، وَلَا بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ. قَالَتْ: قُلْت: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ، تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَك» .
وَلِأَنَّ الْكُحْلَ مِنْ أَبْلَغِ الزِّينَةِ، وَالزِّينَةُ تَدْعُو إلَيْهَا، وَتُحَرِّكَ الشَّهْوَةَ، فَهِيَ كَالطِّيبِ وَأَبْلَغَ مِنْهُ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ لِلسَّوْدَاءِ أَنْ تَكْتَحِلَ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا وَيُحَسِّنُهَا. وَإِنْ اُضْطُرَّتْ الْحَادَّةُ إلَى الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ لِلتَّدَاوِي، فَلَهَا أَنْ تَكْتَحِلَ لَيْلًا، وَتَمْسَحَهُ نَهَارًا. وَرَخَّصَ فِيهِ عِنْد الضَّرُورَةِ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أَسِيدٍ، عَنْ أُمِّهَا، أَنَّ زَوْجَهَا تُوُفِّيَ، وَكَانَتْ تَشْتَكِي عَيْنَيْهَا، فَتَكْتَحِلُ بِالْجَلَاءِ، فَأَرْسَلَتْ مَوْلَاةً لَهَا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ، تَسْأَلُهَا عَنْ كُحْلِ الْجَلَاءِ، فَقَالَتْ: لَا تَكْتَحِلِي إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، يَشْتَدُّ عَلَيْك، فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ، وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ، لِأَنَّهُ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ، فَأَمَّا الْكُحْلُ بِالتُّوتْيَا والعنزروت وَنَحْوِهِمَا، فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا زِينَةَ فِيهِ، بَلْ يُقَبِّحُ الْعَيْنَ، وَيَزِيدُهَا مُرَّهَا.
وَلَا تُمْنَعُ مِنْ جَعْلِ الصَّبْرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا مِنْ بَدَنِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْوَجْهِ لِأَنَّهُ يُصَفِّرُهُ، فَيُشْبِهُ الْخِضَابَ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ» ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ التَّنْظِيفِ بِتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الشَّعْرِ الْمَنْدُوبِ إلَى حَلْقِهِ، وَلَا مِنْ الِاغْتِسَالِ بِالسِّدْرِ، وَالِامْتِشَاطِ بِهِ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلطِّيبِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: زِينَةُ الثِّيَابِ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ الْمُصْبَغَةُ لِلتَّحْسِينِ، كَالْمُعَصْفَرِ، وَالْمُزَعْفَرِ، وَسَائِرِ الْأَحْمَرِ، وَسَائِرِ الْمُلَوَّنِ لِلتَّحْسِينِ، كَالْأَزْرَقِ الصَّافِي، وَالْأَخْضَرِ الصَّافِي، وَالْأَصْفَرِ، فَلَا يَجُوزُ لُبْسُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَلْبَسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute