عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ نَفْيَ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا، كَمَا يَسْتَعْمِلُ أَهْلُ الْعُرْفِ فِيمَا إذَا قَالَ قَائِلٌ: سَرَقْت. قَالَ: مَعَك سَرَقْت. أَيْ أَنَا لَمْ أَسْرِقْ؛ لِكَوْنِك أَنْتَ لَمْ تَسْرِقْ. وَلَنَا أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فِي قَذْفِهِ إيَّاهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَتْ: صَدَقْت. وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْذِفْهُ، وَإِنَّمَا أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِزِنَاهَا بِهِ، وَيُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ زَانِيًا، بِأَنْ يَظُنَّهَا زَوْجَتَهُ وَهِيَ عَالِمَةٌ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ نَفْيَ ذَلِكَ عَنْهُمَا، كَمَا ذَكَرُوهُ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْنِي سِوَاكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا فَأَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ.
وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِهِ عَنْ الرَّجُلِ بِظَاهِرِ تَصْدِيقِهَا، وُجُوبُهُ عَلَيْهَا مَعَ الِاحْتِمَالِ؛ فَإِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا يَجِبُ بِهَا. وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ. فَقَالَتْ: أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا: لَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ؛ بِتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَيْسَ قَوْلُهَا قَذْفًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إلَّا أَنْ تُرِيدَ الْقَذْفَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ أَصَابَنِي وَهُوَ زَوْجِي، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنِّي فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهَا حَدٌّ لِقَذْفِهَا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ، وَقَدْ أَتَتْ بِصَرِيحِ قَذْفِهِ بِالزِّنَا، فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: أَنْتَ زَانٍ. وَالِاحْتِمَالُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ، لَا يَمْنَعُ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: أَنْتَ زَانٍ.
فَأَمَّا إنْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ. فَقَالَتْ: بَلْ أَنْتَ زَانٍ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاذِفٌ لِصَاحِبِهِ، عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَدِّهَا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَالزَّوْجُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِبَيِّنَةِ أَوْ لِعَانٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute