مَعَ الشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا انْتَفَى عَنْهُ اللِّعَانُ.
قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْيَمِينَ مَعَ الشَّكِّ فِي صِحَّتِهَا، فَسَقَطَتْ لِلشَّكِّ فِيهَا. الثَّانِي، إذَا كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ لَجُنُونٍ، فَلَا حُكْمَ لِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ أَيْضًا، وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ، لِإِمْكَانِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى نَفْيِهِ مَعَ زَوَالِ عَقْلِهِ، فَإِذَا عَقَلَ، فَلَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ حِينَئِذٍ وَاسْتِلْحَاقُهُ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ حِينَ قَذَفَهُ، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَلِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِمَا قَالَ، ثَبَتَ قَوْلُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالَةٌ عُلِمَ فِيهَا زَوَالُ عَقْلِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ. وَإِنْ عُرِفَتْ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ، وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ حَالَةُ إفَاقَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ عُرِفَتْ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَحَالَةُ إفَاقَةٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُهَا.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَلْفُوفِ إذَا ضَرَبَهُ فَقَدَّهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا، وَقَالَ الْوَلِيُّ: كَانَ حَيًّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْحَدِّ، فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَلْفُوفَ، لِأَنَّ الْمَلْفُوفَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ ضِدُّ ذَلِكَ، فَنَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ يُعْرَفُ لَهُ حَالَةُ إفَاقَةٍ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ ضِدُّهَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَدْ اسْتَمَرَّتْ إلَى حِينِ قَذْفِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ، فَقَذَفَهَا الزَّوْجُ؛ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ فِيهِ، وَبَرَاءَةُ عِرْضِهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ حَدٌّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَهْلُ الدُّنْيَا زُنَاةٌ. وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِلسَّبِّ، لَا لِلْقَذْفِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَتَأْدِيبِهِ، وَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَتْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، كَابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا وَلَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَتْ فَطَالَبَتْ، فَلَهَا الْحَدُّ، وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَلَيْسَ لَهُ لِعَانُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يُرَادُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ أَوْ نَفْي الْوَلَدِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا، وَلَا وَلَدَ فَيَنْفِيَهُ، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ حُكِمَ بِبُلُوغِهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْبُلُوغِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نُطْفَتِهَا، فَمِنْ ضَرُورَتِهِ إنْزَالُهَا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ بُلُوغِهَا. وَإِنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمَجْنُونَةَ بِزِنًا أَضَافَهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهَا، أَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ، ثُمَّ حَنِثَ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ، وَلَا لِوَلِيِّهَا قَبْلَ إفَاقَتِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ التَّشَفِّي، فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ الْوَلِيُّ فِيهِ، كَالْقِصَاصِ، فَإِذَا أَفَاقَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ، وَلِلزَّوْجِ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ أَرَادَ لِعَانَهَا فِي حَالِ جُنُونِهَا، وَلَا وَلَدَ يَنْفِيهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ حَدٌّ فَيُسْقِطَهُ، وَلَا نَسَبٌ فَيَنْفِيَهُ.
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ، وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذِهِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لِعَانٌ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، فِي الْخَرْسَاءِ، أَنَّ زَوْجَهَا لَا يُلَاعِنُ. فَهَذِهِ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute