ثَنَاؤُهُ وَفِي أَشْبَاهِهَا أَرَاهُ قَالَ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: ١٢٨] رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَمَتَى صَالَحَتْهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ قَسْمِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا، أَوْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، جَازَ.
فَإِنْ رَجَعَتْ، فَلَهَا ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ عَنْ امْرَأَتِهِ، فَيَقُولُ لَهَا: إنْ رَضِيت عَلَى هَذَا، وَإِلَّا فَأَنْتِ أَعْلَمُ. فَتَقُولُ: قَدْ رَضِيت. فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ.
(٥٧٤٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالزَّوْجَانِ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةُ، وَخُشِيَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُخْرِجَهُمَا ذَلِكَ إلَى الْعِصْيَانِ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، مَأْمُونَيْنِ، بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ، وَتَوْكِيلِهِمَا، بِأَنْ يَجْمَعَا إذَا رَأَيَا أَوْ يُفَرِّقَا، فَمَا فَعَلَا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُمَا)
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا شِقَاقٌ، نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَهُوَ نُشُوزٌ، قَدْ مَضَى حُكْمُهُ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ الرَّجُلِ، أَسْكَنَهُمَا إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ، يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا، وَالتَّعَدِّي عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ إنْ بَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَدٍّ، أَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ ظَلَمَهُ، أَسْكَنَهُمَا إلَى جَانِبِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا وَيُلْزِمُهُمَا الْإِنْصَافَ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ ذَلِكَ، وَتَمَادَى الشَّرُّ بَيْنَهُمَا، وَخِيفَ الشِّقَاقُ عَلَيْهِمَا وَالْعِصْيَانُ، بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَظَرَا بَيْنَهُمَا، وَفَعَلَا مَا يَرَيَانِ
الْمَصْلَحَةَ
فِيهِ، مِنْ جَمْعٍ أَوْ تَفْرِيقٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] .
وَاخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي الْحَكَمَيْنِ، فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا، لَا يَمْلِكَانِ التَّفْرِيقَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا. وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَقُّهُ، وَالْمَالَ حَقُّهَا، وَهُمَا رَشِيدَانِ، فَلَا يَجُوزُ لَغَيْرِهِمَا التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْهُمَا، أَوْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهُمَا حَاكِمَانِ، وَلَهُمَا أَنْ يَفْعَلَا مَا يَرَيَانِ مِنْ جَمْعٍ وَتَفْرِيقٍ، بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى تَوْكِيلِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا رِضَاهُمَا.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: ٣٥] . فَسَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَى الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا} [النساء: ٣٥] فَخَاطَبَ الْحَكَمَيْنِ بِذَلِكَ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَتَيَا عَلِيًّا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَبَعَثُوا حَكَمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا مِنْ الْحَقِّ؟ إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute