وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. إنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ، فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
«وَزَوَّجَ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ابْنَةَ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةَ.» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِأُخْتِهِ: أُنْشِدُك اللَّهَ أَنْ تَتَزَوَّجِي مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ رُومِيًّا، أَوْ أَسْوَدَ حَبَشِيًّا. وَلِأَنَّ الْكَفَاءَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا حَقًّا لِلْمَرْأَةِ، أَوْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ لَهُمَا، فَلَمْ يُشْتَرَطْ وُجُودُهَا، كَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَافُوخِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا بَنِي بَيَاضَةَ، أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ، وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ، وَأَنْكَرَهُ إنْكَارًا شَدِيدًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ، وَمَا رُوِيَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِيهَا حَقًّا، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ فَلَهُ الْفَسْخُ
وَلِذَلِكَ لَمَّا زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ بِهَا خَسِيسَتَهُ، جَعَلَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ، فَأَجَازَتْ مَا صَنَعَ أَبُوهَا. وَلَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ.
فَإِذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهَا، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا حَالَ الْعَقْدِ، فَإِنْ عَدِمَتْ بَعْدَهُ، لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لَدَى الْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً حَالَ الْعَقْدِ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، عَلَى مَا مَضَى. فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ شَرْطًا. فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ كُلُّهُمْ، صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بَعْضُهُمْ، فَهَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ صَحِيحًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا، هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لِجَمِيعِهِمْ، وَالْعَاقِدُ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ.
وَالثَّانِيَةُ، هُوَ صَحِيحٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا خَيَّرَهَا، وَلَمْ يُبْطِلْ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ. وَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِالْإِذْنِ، وَالنَّقْصُ الْمَوْجُودُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute