إلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ؛ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَاللِّعَانِ، وَالتَّوَارُثِ، وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يَنْعَقِدْ، كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ. فَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي خَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، رَوَاهُ النَّاسُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ
قَالَهُ أَبُو دَاوُد. ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي قَالَتْ: زَوَّجَنِي مِنْ ابْنِ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ. فَخَيَّرَهَا لِتَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا، وَهَذَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَلَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَالْوَصِيَّةُ يَتَرَاخَى فِيهَا الْقَبُولُ، وَتَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهِيَ مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِوُضُوحِهَا. فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُعْتَبَرُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لَهُ، فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا مَعَهُ، كَالْقَبُولِ، وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَقْدٍ، وَلِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ، اسْتَنَدَ الْمِلْكُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْعَقْدِ نَمَاءُ مِلْكٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، لَا مِنْ حِينِ الْإِجَازَةِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ، لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، إنْ كَانَ مِمَّا لَوْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ أَجَازَهُ، وَرِثَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَلْزَمُهُ إجَازَتُهُ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَفْسَخُهُ، لَمْ يَرِثْهُ.
(٥١٨٢) فَصْلٌ: وَمَتَى تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، أَوْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، فَقَدْ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا الرِّوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا؛ لِتَصْرِيحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِالْبُطْلَانِ. وَلِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِعَقْدٍ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْأَهْلِ، كَاَلَّذِي عَقَدَهُ الْمَجْنُونُ أَوْ الطِّفْلُ، فَلَا يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهَذَا عَقْدٌ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أَهْلًا لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْإِذْنِ الْمُقَارِنِ، فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ بِالْإِجَازَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَوْلَى، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا
فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، فَمَتَى تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، فَرُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ، لَمْ يَمْلِكْ إجَازَتَهُ، وَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْوَلِيِّ، فَمَتَى رَدَّهُ بَطَلَ؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَفَ الْحُكْمُ عَلَى إجَازَتِهِ، بَطَلَ بِرَدِّهِ، كَالْمَرْأَةِ إذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute