مِنْهَا، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَوْلُودُ مِنْهَا شَيْئًا كَالْمُشْتَرِي. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ ثَمَرِ الشَّجَرِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْمَوْلُودَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ شَيْئًا، وَيَسْتَحِقُّ مِمَّا ظَهَرَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ يَسْتَحِقُّهُ الْبَائِعُ، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي، فَلِلْمَوْلُودِ حِصَّتُهُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَوْلُودَ يَتَجَدَّدُ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْأَصْلِ، كَتَجَدُّدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ.
(٤٣٩١) الْفَصْلُ الثَّانِي: إذَا وَقَفَ عَلَى قَوْمٍ، وَأَوْلَادِهِمْ، وَعَاقِبَتِهِمْ، وَنَسْلِهِمْ. دَخَلَ فِي الْوَقْفِ وَلَدُ الْبَنِينَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فَأَمَّا وَلَدُ الْبَنَاتِ، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: لَا يَدْخُلُونَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ: مَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْبَنَاتِ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ
فَهَذَا النَّصُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعَدَّى إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَدَ وَلَدِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ الَّذِي عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَهَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَى ذُرِّيَّتِهِمْ وَنَسْلِهِمْ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبَنَاتِ أَوْلَادُهُ، فَأَوْلَادُهُنَّ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ حَقِيقَةً، فَيَجِبُ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْوَقْفِ، لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُمْ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: ٨٤] إلَى قَوْلِهِ: {وَعِيسَى} [الأنعام: ٨٥] . وَهُوَ مِنْ وَلَدِ بِنْتِهِ، فَجَعَلَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ عِيسَى وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ، ثُمَّ قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} [مريم: ٥٨]
وَعِيسَى مَعَهُمْ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْحَسَنِ: إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» . وَهُوَ وَلَدُ بِنْتِهِ. وَلَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] . دَخَلَ فِي التَّحْرِيمِ حَلَائِلُ أَبْنَاءِ الْبَنَاتِ، وَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَنَاتِ، دَخَلَ فِي التَّحْرِيمِ بَنَاتُهُنَّ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] . فَدَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ دُونَ وَلَدِ الْبَنَاتِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْوَلَدُ فِي الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ، دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ دُونَ وَلَدِ الْبَنَاتِ
وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ رَجُلٍ، وَقَدْ صَارُوا قَبِيلَةً، دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ دُونَ وَلَدِ الْبَنَاتِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا قَبِيلَةً. وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ الْعَبَّاسِ فِي عَصْرِنَا، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَلَدُ بَنَاتِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا وَقَفَ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِهِ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ مَنْسُوبُونَ إلَى آبَائِهِمْ دُونَ أُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ الشَّاعِرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute