وَغَزْلُ ذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَمِنْهُ الْخُبْزُ، وَاللَّحْمُ، وَالشَّحْمُ، وَالْجُبْنُ، وَالزُّبْدُ، وَالشَّمْعُ، وَمَا أَشْبَهَهُ، وَكَذَلِكَ الزَّعْفَرَانُ، وَالْعُصْفُرُ، وَالْوَرْسُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(٢٨١٤) فَصْلٌ: وَالدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ مَكِيلَانِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا مَكِيلٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُلُهُمَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُمَا يُشْبِهَانِ مَا يُكَالُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الدَّقِيقِ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ بِالْوَزْنِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مَكِيلًا وَهُوَ مَوْزُونٌ، كَالْخُبْزِ.
وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِالصَّاعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُخْرَجُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنْ دَقِيقٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَالصَّاعُ إنَّمَا يُقَدَّرُ بِهِ الْمَكِيلَاتُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَقِطُ مَكِيلًا؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ: «صَاعٌ مِنْ أَقِطٍ» . (٢٨١٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا اللَّبَنُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ، كَالْأَدْهَانِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالشَّيْرَجِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَلِّ، وَالدِّبْسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَكِيلَةٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَدْهَانِ: هِيَ مَكِيلَةٌ.
وَفِي اللَّبَنِ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يُبَاعُ اللَّبَنُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا كَيْلًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّلَفِ فِي اللَّبَنِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ مُقَدَّرٌ بِالصَّاعِ، وَلِذَلِكَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَغْتَسِلُ هُوَ وَبَعْضُ نِسَائِهِ مِنْ الْفَرَقِ» . وَهَذِهِ مَكَايِيلُ قُدِّرَ بِهَا الْمَاءُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِ الْأَنْعَامِ إلَّا بِالْكَيْلِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ فِي كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَلَا يُشْبِهُ مَا جَرَى فِيهِ الْعُرْفُ بِذَلِكَ، كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْمَعْدُودَاتِ مِنْ الْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَسَائِرِ الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْبُقُولِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْخَوْخِ، وَنَحْوِهَا، فَهَذِهِ الْمَعْدُودَاتُ إذَا اعْتَبَرْنَا التَّمَاثُلَ فِيهَا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّمَاثُلُ فِي الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْآخَرُ، قَالُوا: يُعْتَبَرُ مَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ، وَهِيَ مَكِيلَةٌ، وَمِنْ شَأْنِ الْفَرْعِ أَنْ يُرَدَّ إلَى أَصْلِهِ. بِحُكْمِهِ، وَالْأَصْلُ حُكْمُهُ تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ بِالْكَيْلِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُ فُرُوعِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute