وَقَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥] . يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْعِزَّةِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُجُومًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ تُرْفَعْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ قَالَ، «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ رُفِعَتْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ هِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قُلْت: فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ؟ فَقَالَ: فِي رَمَضَانَ. فَقُلْت: فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ، أَوْ الثَّانِي، أَوْ الْآخِرِ؟ فَقَالَ: فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ» . وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا. يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا.
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَأَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي رَمَضَانَ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِئَلَّا يَتَنَاقَضَ الْخَبَرَانِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَقَالَ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي كُلِّ وِتْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ، فَتَتَّكِلُوا. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا فِي جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ آكَدُ، وَفِي لَيَالِي الْوَتْرِ مِنْهُ آكَدُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَفِي وَتْرٍ مِنْ اللَّيَالِي، لَا يُخْطِئُ إنْ شَاءَ اللَّه، كَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اُطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ، أَوْ سَبْعٍ بَقِينَ، أَوْ تِسْعٍ بَقِينَ» .
وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي الْوَتْرِ مِنْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَتْ: «وَكَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا» .
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute