وأصحابنا يقولون: إن قوله تعالى: ﴿مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] صفة لـ "رُهُنٌ" لا بيان لحكمها، فيكون المأمور به الرُّهُن الموصوفة بالقبض، فلا وثيقة بدونها، كما أنه عند وجود الشهيدين أو الكاتب لا وثيقة بدونه.
وقوله:"عقد إرفاق"؛ احتراز من البيع والإجارة.
وقوله: يفتقر إلى القبول احتراز من الوقف والضمان، وقياسه على الهبة فيه نظر؛ لأن الخصم لا يسلمه، والخلاف فيهما واحد، وعذر المصنف أن اشتراط القبض في لزوم الهبة؛ لما ثبت بأثر أبي بكر وغيره كانت المخالفية فيه ضعيفة، فصح القياس عليه؛ لأنه أظهر وأبينُ من محل النزاع، وغيره من الأصحاب قاس على القرض، وأورد على الوصف الوصية إذا كانت لمعين، فإنها عقد إرفاق يفتقر إلى القبول، ولا يفتقر إلى القبض.
وجوابه: أن عقد الوصية من حيث الجملة لا يحتاج إلى قبول، وإنما يحتاج إليه إذا كان لمعين، فهي كالوقف على أحد الوجهين، والرهن يحتاج إلى القبول مطلقًا، ثم إنه يشترط في لزومها الموت، والرهن يبطل بالموت قبل القبض على قول، فهي عكسه، واستدل الأصحاب أيضًا بأنه لو مات الراهن قبل القبض؛ لم يلزم وارثه الإقباض بالاتفاق، ولو كان لازمًا؛ كالبيع لوجب عليه، لا سيما والورثة يلزمهم ما لا يلزم المورث من وفاء الدين المؤجل، وتنفيذ الوصية، فكل ما لا يجب على الوارث، لا يجب على المورث، وهذا الاستدلال هو الذي اعتمده الشافعي على مالك، وفرقوا بين الرهن والبيع، بأن مقصود الرهن: الاستيثاق، وهو لا يحصل إلا بالقبض فاشترط فيه، ومقصود البيع الملك، وهو حاصل بدون القبض، فلم يشترط في لزومه.