وعنه: إن كان معينًا لزم من غير قبض (١) والصحيح عنه كمذهبنا، والاستدلال بالآية ذكر الأصحاب له أربع طرق أحسنها: أن الله تعالى أمر بالاستيثاق بالإشهاد والكتابة، فإن فقد فبالرُّهُن المقبوضة، فدل على أن الوثيقة هي الرُّهُن المقبوضة، فقبل القبض لا وثيقة، ويرد عليه أن الأمر أمر إرشاد، فقد يكون المراد الإرشاد إلى الوثيقة الكاملة، وهي المقبوضة.
نعم، يقوى هذا الاستدلال إذا قيل: أن الآية دلت على أن الرُّهن المقبوضة وثيقة، وغير المقبوض لا دليل على كونه وثيقة، فيبقى على الأصل حتى يقوم دليل على لزومه من غير قبض، ويصعب على الخصم إقامته وبعبارة أخرى أن يقول: مدلول الآية أن المشروع رهن مقبوضة، فما ليس مقبوضًا ليس بمشروع، لكن هذه العبارة تضرُّ في الحكم بالصحة قبل القبض، وقوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] لا يدل على القبض، فإنه إن كان المراد العقود نفسها؛ سقط الاحتجاج، وإن كان المراد الوفاء بأحكامها، فالجواز من أحكامها؛ كالشركة والوكالة، وأيضًا - فهو عامٌّ يمكن تخصيصه، وللمالكية أن تمام الاستيثاق إنما يحصل بالقبض؛ لجواز التجاحد، فيكون الرهن شاهدًا على أصلهم؛ ولذلك قال: إذا قال المرتهن: ديني مائة، وقال الراهن: خمسون؛ جعل الرهن شاهدًا، فيكون القول قول المرتهن، ما بينه وبين قيمة الرهن، ويحلف معه كما يحلف مع الشاهد، وتحمل الآية على الإرشاد، وقول المصنف:"فوصف الرهن بالقبض" إشارة إلى بحث بيننا وبين المخالف، هم يقولون: إن المأمور به الرهن، وأما القبض، فمِن أحكامه بمعنى: أنه يجب على الراهن الإقباض،