للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا من الإمام فيه إشعار بأن التحالف على خلاف القياس، ولكن الأصحاب في الكلام مع الحنفية - كما سيأتي - يبالغون في تقدير أن ذلك على وقف القياس، ويمنعون من تسليم أن البائع موافق للمشتري على شيء ممَّا يدعيه، وإن كان في كلام الإمام إشعار بتسليم ذلك.

واعلم أن قوله في الحديث: "الْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَتَارَكَا".

ظاهره أنهما يتتاركان بغير تحالف، وكذلك نقل عن مذهب ابن مسعود، والشعبي، وأحمد (١)، ولعل ذلك على وجه المقابلة وأنها فاصلة للخصومة؛ فإن لم يفعلا، فالقول قول البائع، وظاهر هذا أنه إذا حلف يقضى له، لكن الرواية الأخرى تقتضي تمكين المشتري من الأخذ والترك بعد حلف البائع، وأصحابنا (٢) يجعلون ذلك بحلفه أيضًا، إن حلف حصل الترك، وإلَّا أخذها بما حلف عليه البائع، وظاهر الحديث لا يقتضي ذلك؛ فلو قيل بأنه: إذا حلف البائع يخير المشتري بين الأخذ والترك بغير يمين، كان محتملًا، وهو نوع من التتارك الذي خيَّر الشارع بينه وبين قول البائع، ويكون التتارك إما قبل حلف البائع باتفاقهما، وإما بعد حلفه باختيار المشتري، لكن هذا نوع من الخيار غريب، ولم أرَ من قال به.

وقد اختار أبو الحسن بن المغلس (٣): أن حديث ابن مسعود ثابت، وأن الواصل له ابن أبي ليلى، وأن حكم النبي بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه معارض له، وإذا امتنع الحكم بالنسخ للجهل بالتاريخ،


(١) الروايتين والوجهين (١/ ٣٤٧)، المغني (٤/ ١٤٤)، شرح الزركشي (٢/ ٧٨)، المبدع شرح المقنع (٤/ ٥ - ٦)، الإنصاف (٤/ ٣٢٢).
(٢) البيان (٥/ ٣٨٥)، فتح العزيز (٩/ ١٥٤)، روضة الطالبين (٣/ ٥٥٧).
(٣) أبو الحسن بن المغلس: عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلِّس، عالم فاضل، وفقيه يميل إلى المذهب الظاهري، من تصانيفه: الموضح، والمفصح، توفي سنة (٣٢٤ هـ). انظر: الوافي بالوفيات (١٧/ ٢٥)، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>