مذهب شريح بهذا الترتيب كانت المذاهب سبعة، وإلَّا فهي ستة لا غير.
ثم إن المشهور في مذهب أبي حنيفة الاقتصار في اليمين على النفي، ومذهبنا الجمع بين النفي والإثبات، فإذا أخذت المذاهب مقيدة بكيفية التحالف جاءت سبعة أيضًا أو ثمانية، وأضعفها من فرق بين قيام السلعة وتلفها، وسيأتي بيان ضعفه عند ذكر المصنف لهذا الحكم إن شاء الله، وكذلك تخصيص التحالف بما قبل القبض، وقبول قول المشتري مطلقًا، فيه مخالفة لحديث ابن عباس وابن مسعود معًا، وأما قبول قول: مَنْ الشيء في يده، فهو وإن كان مخيلًا لكن صاحب اليد إذا اعترف بترتبها على يد أخرى، صارت اليد الأولى هي الأصلية.
وأيضًا: إلزام المشتري بالثمن الذي يدعيه البائع، وإن كانت العين في يد البائع تقيد، فلم يبق إلا التحالف كما ذهبنا إليه، أو قبول قول البائع، كما حكى عن الشعبي وأحمد، إلا أن هذا المذهب مخالف للرواية التي فيها إثبات الخيار للمشتري.
فإنا إذا قلنا: قول البائع مطلقًا وألزمنا المشتري الثمن، لم يثبت له خيار، فوجب المصير إلى القول بالتحالف، كما قال به الشافعي وغيره، وقد تقدم أن مذهب شريح موافق لمذهبنا في أصل التحالف.
قال الإمام:"ومعتمد الباب، إما الخير، وإما مصلحة ناجزة حاقَّة خصيصَةٌ بالباب، هي أولى بالاعتبار من الأمر الكلِّي، وهي أن المتعاقدَين يعم اختلافُهما، وكل واحدٍ منهما جالبٌ باذلٌ، فلو خصصنا بالتصديق أحدهما، جرَّ ذلك عُسرًا عظيمًا، فرعاية مصلحة العقد أولى من النظر إلى عموم القول في براءة الذمَّة"(١).
(١) نهاية المطلب (٥/ ٣٣٩). إذا أطلق الإمام في المذهب الشافعي فيقصد به: الإمام الجويني.