ما ذكرته هناك من النظر، ويبين أن المحكوم به النجاسة العينية بخلاف مسألة التراب، فإن الكلام فيها في التنجس.
فإن قلت: هذا بحسب ما اقتضاه كلام الماوردي، وقد يكون صاحب هذه العلة لا يقول بذلك، ونقول: أنها صارت متنجسة كما يشير إليه قول الرافعي: "إن النجاسة تخلف الشدة".
قلت: متى قال بذلك نرد عليه بتحريم الشارع التخليل لغير معنى خارج عنه، ومتى حرم الشيء لعينه بطل ما يترتب عليه، وبهذا نبين أن أصح العلتين: هو تحريم التخليل، ويلزم منه أن يكون نقلها من الظل إلى الشمس وعكسه غير مطهر في الأصح، وأنه إذا اتفق الطرح من غير قصد طهرت في الأصح، وكذلك إذا ألقي في العصير ما يستعجل به الحموضة بخلاف ما تقدم تصحيحه عن الرافعي والبغوي في هذه المسائل الثلاث، هذا كله في غير المحترمة.
أما المحترمة إذا نقلها من الظل إلى الشمس وعكسه، فقال الرافعي:"إنها أولى بالجواز"(١)، يعني: لأن إمساك المحترمة جائز، وإمساك غير المحترمة حرام، وحينئذ نقول: إن عللنا بنجاسة المطروح، فهي مفقودة هنا فتطهر، وإن عللنا بتحريم التخليل فينبني على أن تخليل المحترمة هل يجوز؟ وفيه وجهان تقدَّما، فإن جوزنا، فهي طاهرة أيضًا، وإن منعناه فهي نجسة.
ولما كان الغزالي يرى التعليل بالنجاسة، جزم هنا بالطهارة، وهو الأصح عند الرافعي بطريق الأولى؛ لأن الأصح عنده التعليل بالنجاسة.
وأما على قول الإمام والقاضي حسين واختيارهما التعليل بتحريم