في أن المحترمة ما عصر لقصد عصر مباح أو لغير قصد محرم.
والثاني: أعم من الأول، والظاهر أنه المراد، وأنه لا يشترط قصد المباح، بل يكفي عدم قصد الحرام حتى لو عصرها صبي أو مجنون أو داس حيوان عليها فانعصرت، وصار من ذلك العصير خمر بغير قصد تكون محترمة؛ استصحابًا للاحترام الأصلي في العنب من غير أن يطرأ قصد فاسد، هذا الذي يظهر، ولم أره منقولًا، فإن ثبت ذلك، فخمر أيتام أبي طلحة محترم، ويظهر الرد على صاحب الوجه المذكور، وإلا فلا يتوجه الرد بذلك.
فإن قلت: إذا لم يتوجه الرد بذلك هل يتوجه بعموم حديث أنس: سئل النبي ﷺ عن الخمر تتخذ خلًّا؟ قال:"لَا"(١)، قلت: لو لم يعرف أصل الحديث، كان لنا التمسك بذلك لعمومه، ولكن الذي يظهر أن مراد أنس واقعة أبي طلحة، وكان السؤال منها عن خمر مخصوصة فجعل اللفظ شاملًا لغيرها ولغير ما في معناها بعيد.
نعم، يتمسك فيه بأثر عمر المتقدم، وبالتعليل الثاني، وهو أن المطروح في الخمر يتنجس بملاقاتها وتستمر بنجاسته.
وذكر الغزالي في "التحصين" طريقة أخرى أنها اتخذت لمقصود الخمر، وورود النسخ بإسقاط حرمة الخمور المهيأة للشرب، فاجتمع فيها النسخ اللاحق والإباحة السابقة، ونحن نريق مثل هذا الخمر، ولكن لا يوجد نظيره في زماننا.