للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نوزع لصاحب الوجه المذكور بأمور:

منها: لعل تلك الخمر كانت اتخذت بعد التحريم والعصير تُلقب (١) في يوم واحد في حر الحجاز خمرًا، وهذا يردُّه ظاهر هذه الرواية.

ومنها: أن المحترمة ما اعتصر لقصد مُباح، والخمر قبل تحريمها قد لا تكون مباحة، بل باقية على الأصل، فلا يثبت لها وصف الاحترام؛ فلذلك أريقت ومنع من تخليلها.

واعلم أن الأدلة في حال الخمر قبل تحريمها متعارضة، فإنَّا إن نظرنا إلى أن الناس كانوا يشربونها ولا يُنكر عليهم، وقضية حمزة في السكر (٢) مشهورة، وغير ذلك اقتضى أن تكون مُباحة، ويعضده أحد التأويلين في قوله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧]. وقوله: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: ٤٣].

وأقوى دليل في ذلك ما ورد في الحديث: "إِنَّ اللهَ يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا، فَلْيَبِعُهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ" (٣).

وإن نظرنا إلى ما ادعاه الغزالي من أن السكر لم يزل محرمًا في كل ملة (٤)، وأخذنا بظاهر الحال من أن المحرمات نزلت شيئًا فشيئًا من غير أن يكون نسخًا لإباحة متقدمة، اقتضى ذلك ألا يحكم عليها بشيء ويكون سكوت النبي ؛ لأنه لم ينزل عليه فيها في ذلك الوقت شيء، فإن ثبت أنها كانت مباحة ظهر الرد على صاحب الوجه المذكور، وإن ثبت أنها كانت باقية على حكم الأصل، والأصل أن لا حكم قبل الشرع، فيبقى النظر


(١) كذا في المخطوطة، ولعل الصواب: تنقلب.
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٧٥)، ومسلم (١٩٧٩).
(٣) أخرجه مسلم (١٥٧٨).
(٤) انظر: البحر المحيط للزركشي (٤/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>