ومع ذلك، فليس في عبارة الإمام ما يقتضي الانحصار، وقد صرح الرافعي أن المرتهن إذا طلب بيعه، وامتنع الراهن، ولم يَقْضِ الدين أجبره الحاكم على قضائه أو البيع، ولو كان حق المرتهن منحصرًا فيه لأجبره على بيعه عينًا، ونحن في المدبر كذلك نجبره على أن يقضي الدين أو يبيع، فلم يكن في رهنه منافاة ولا تغيير لمقتضاه، فالأولى اتباع المعنيين المتقدمين عن الشافعي والأصحاب، ومما يدل على عدم انحصار حق المرتهن في الرهن قول الشافعي في "الأم": "وإذا بيع الرهن، فالمرتهن أولى بثمنه حتى يستوفي حقه، فإن لم يكن فيه وفاء حقه حاصَّ غرماء الراهن بما بقي من ماله غير مرهون، وإذا أراد أن يحاصهم قبل أن يباع رهنه، لم يكن له ذلك، ووقف مال غريمه حتى يباع رهنه ثم يحاصهم بما فضل عن رهنه"(١). انتهى.
فحكمه بوقف مال غريمه يقتضي عدم انحصار حق المرتهن في الرهن، وهذا لا شك فيه؛ ولذلك قال الأصحاب في غرماء المفلس إذا كان فيهم مَن له رهن قدم بثمنه، فإذا بقي من دينه شيء صارت به مع الغرماء، وإذا بقي من أرش الجناية شيء لم يضارب به.
قال الجرجاني: لأن حق الجناية لم يتعلق بماله بخلاف المرتهن، فإنه تعلق بالرهن وبمال المفلس، فانظر كلام الجرجاني هذا، فإنه ناطق بعدم انحصار حق المرتهن، وكذا المتولي قال: لدين المرتهن محلان: الذمة، والعين.
وزعم ابن الرفعة أنه لم يَرَ في كلام الأصحاب ما يقتضي تصريحًا أن