قد استوفى المصنف إلى هنا الديون التي يجوز الرهن بها، والتي لا يجوز الرهن بها، وهي دين السلم والقرض والثمن والأجرة والصداق والخلع والصلح والأرش وغرامة المتلف والكتابة والجعالة والمسابقة وعمل الإجارة ومحل الاتفاق في الثمن إذا كان بعد الخيار أو قبله، وقلنا بانتقال الملك، وإلا فهو رهن على ما لم يجب، وجرى سبب وجوبه، فيجيء فيه خلاف على ما اقتضاه كلام الإمام والغزالي، وهو متعين وإن كان الأصحاب أطلقوا الجواز، ومثله يأتي في دين السلم، وأما القرض فمحل الاتفاق فيه بعد التلف، أو بعد التصرف، أما إذا قبض، وقلنا بالملك وهو الأصح وهو باقٍ في يده، فهو كالثمن في مدة الخيار إذا قلنا بانتقال الملك، فيصح الرهن به أيضًا بلا نزاع، وقبل القبض جرى سبب وجوبه، ولم يجب، ومحل ذلك أيضًا إذا قلنا: الواجب المثل، أو قيمة يوم القبض، وكانت معلومة، أو أقصى القيم، وكان بعد التلف، وهي معلومة.
أما إذا قلنا: الواجب الأقصى، وكان قبل السلف، فلا يصح؛ ولذلك إذا أوجبنا قيمة يوم القبض، وكانت مجهولة، ويجوز الرهن بالثمن قبل قبض المبيع، وبالأجرة قبل استيفاء المنفعة، وبالصداق قبل الدخول اتفاقًا، وإن لم تكن مستقرة، وأما بعد هذه الأشياء، فلا شبهة فيه، والدية إن كانت في ذمة الجاني جاز الرهن بها، وإن كانت على العاقلة لم يجز قبل حولان الحول؛ لعدم لزومها؛ لأنها إنما تجب على من يكون غنيًّا وقت الحول، فقبل ذلك ليست بلازمة ولا ثابتة، وكذا الرهن بالزكاة قبل تمام الحول لا يجوز؛ لعدم ثبوتها.