والصحيح: أن القاضي لا يقرض مال الغائب أيضًا، وإنما قال به صاحب "التلخيص"، وأنا أخشى أن يكون الفرق بين القاضي والأب في مال الصبي غير منقول؛ لأنه لم يثبت لنا عن أحدٍ معين من أصحاب الوجوه غير صاحب "التلخيص"، نص على الجواز لا في هذا ولا في هذا، فيحتمل: أن يكون نقل عنه الجواز في القاضي، وسكت الناقل عما سواه، وهو نقل صحيح، فاستثنى البغوي القاضي من إطلاق الأصحاب مستندًا له. ويحتمل: أنه اطلع على نقل صريح عن غيره، وبالجملة الصحيح المنع، ومَنْ قال بالجواز يعلل في الأب بوفور شفقته، وعلو منصبه في الولاية، وفي القاضي بكثرة أشغاله واتساع أموال الأيتام تحت نظره، وكنت أظن أن مَنْ قال بجواز الإقراض له مأخذه أنه لاتساع ولايته لا يمكنه الحفظ بنفسه؛ فيحتاج إلى الإيداع عند غيره، وحيث جاز الإيداع جاز الإقراض، وحينئذٍ لا يأتي في ذلك خلاف، لكن الذي ينبغي أنه لا يجوز للقاضي الإيداع إلا لضرورة، وأعني بالإيداع: أن يسلم مال اليتيم لِمَنْ يحفظه منفردًا باليد فيه، وإنما يفعل هذا عند الضرورة، وفيما سواها يجب حفظها في المودع العام الذي لا ينفرد به شخص معين، بل جماعة مع شمول نظر القاضي له، فإن الثقة حينئذٍ تكون أكثر، ومتى انفرد شخص باليد في نفيه من غير إشراف عليه، تطرقت إليه التهمة، وربما سولت له نفسه، فالقاضي في الإيداع عند شخص خاص كغيره من الأولياء لا يجوز إلا لضرورة، وعندها يجوز الإقراض، ولا يجوز فيما سواها، وينبغي التحذير من ذلك وإشهار هذه المسألة صيانة لأموال الأيتام، فإنه قد اغتر جماعة بجواز الإقراض من غير