للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الحكم بعدم وجوبه، فيما إذا لم يجز إلَّا مجرد التأجيل ظاهر، فإن التأجيل من قبيل الإنشاءات والعقود، وإن أمرنا بالوفاء بها فمنها كثير غير واجب، وأما إذا صدر وعد بالإمهال فالمفهوم من كلام الأصحاب: الجواز أيضًا، وأن الوفاء بالوعد لا يجب، وقد يستشكل ذلك بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)[الصف: ٢، ٣].

وقوله تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)[التوبة: ٧٧].

وآيات كثيرة تدل على وجوب الوفاء بالوعد والعهد، وقد جاءت السنة بمثل ذلك، وبأن إخلاف الوعد من علامات النفاق، وأيضًا، فإنه كذب؛ لأن الكذب يدخل في الخبر الماضي والمستقبل، وإن اختص بعض ذلك بتسميته خُلْفًا فهو خلف وكذب، والكذب كله حرام إلَّا ثلاثة ليس هذا منها.

وجواب هذا: يمنع تسمية خلف الوعد كذبًا ومنع تسمية الوعد خبرًا، وإن سلم [أنه فهو] (١) خبر عما في نفسه من العزم على ذلك، فإذا قال: أنا أعطيك كذا وفي نفسه أن يعطيه، ثم أخلف لا يسمى كذبًا، ووجود خصلة من خصال النفاق تدل على كمال الإيمان فحسب، والجواب عن بقية الآيات يحتاج إلى نظر، وكونه خلف الوعد لا يسمى كذبًا؛ قاله ابن قتيبة، وخص الكذب بالماضي والذي يظهر لي خلافه.

وقد استنبطت من قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ إلى آخر الآية أن الكذب لا يختص بالماضي بل يكون في المستقبل، وأن الجملة المقسم عليها خبرية يحتمل الصدق


(١) كذا في المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>