للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولين، الثاني، وهو عدم الإجبار أو قول آخر لم يحكه عمَّن تقدم، وهو إجبار البائع، وجعل الماوردي القول بإجبار البائع من جملة ما حكاه الشافعي، وقال: "إن الشافعي حكى للناس في ذلك أربعة مذاهب" (١).

قلت: ولفظ الشافعي في "الأم" قد حكيت بعضه، ولم أفهم منه غير ما تقدم، وهو أن الثلاثة محكية عن غيره، والرابع ذكره غير منسوب إلى قائل، وصرح بأنه لا يقول إلَّا بأحد قولين؛ إما بالثاني، وإما بالرابع الذي قلنا: إنه لم يحكه، ثم اختار من هذين القولين إجبار البائع الذي قلنا: إنه لم يحكه، وصرح بأنه لا يقول بالثاني، وهو عدم إجبارهما معًا، وبين المانع له من القول به، وهو ترك الناس يتمانعون الحقوق، هذا مقتضى كلام الشافعي .

وقد تعرض أيضًا للمسألة في الجزء التاسع قبل باب بيع الغائب قال: "وإذا اشترى الرجل الشيء ولم يسم أجلًا، فهو بنقد ولا ألزمه أن يدفع الثمن حتى يدفع إليه ما اشترى" (٢). انتهى.

وهذا اللفظ يحتمل أن يكون مراده أنهما لا يجبران، بل من بدا منهما أجبر الآخر، ويحتمل أن يكون المراد أنه يجبر البائع، فلا يجبر المشتري على البدأة حتى يبدأ البائع بما واجب (٣) عليه، ولما كان كلامه في باب الاستبراء دليلًا على إجبار البائع تعين حمل هذا اللفظ عليه جمعًا بين الكلامين، فقد تلخص أن مضمون كلام الشافعيين كله البدأة بإجبار البائع فقط، ولا جرم كان ذلك ظاهر المذهب.

وأما كلام المزني في "المختصر"، فاختلف الأصحاب فيه فمنهم من حمله على ذلك، وأن المراد إجبار البائع.


(١) الحاوي (٥/ ٣٠٧).
(٢) الأم (٣/ ٤٠).
(٣) كذا في المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>