وأخذ الأصحاب في الجواب عنه بعد تمهيد أصل، وهو أن كل من ادعى عليه دعوى؛ كغصب، أو سرقة، أو بيع، أو غير ذلك، فإن اقتصر في الجواب على نفي الاستحقاق كفاه، وليس للحاكم أن يقول له: أجبه عما سأل؛ لأنه قد يغصب عينًا أو يسرقها، ثم يشتريها منه، فلو كلفناه الجواب لأدى إلى أن يكذب أو يقر، فلا يقبل قوله في الشراء، فكان نفي الاستحقاق أحوط له وللبائع أيضًا؛ لأنه لا يكون غاصبًا وهو لا يستحق عليه شيئًا، فيحلفه أنه مَا يستحق عليه شيئًا ويبرأ، وإن أجاب على وفق الدعوى مثل أن يقول: ما غصبت وما سرقت، فكيف يحلفه؟! فيه وجهان؛ أصحهما: أنه يلزمه التعرض في اليمين لما تعرض له في الجواب؛ ليكون اليمين مطابقة للجواب، ولو كان له غرض في الاقتصار لاقتصر عليه في الجواب، فلما أجاب مفصلًا دل على أنه علم أنه يمكنه الحلف عليه، وقال الشيخ أبو حامد: إن هذا الوجه هو ظاهر المذهب.
والثاني: أنه يكفيه الإطلاق في اليمين كما يكفيه الإطلاق في الجواب، وهذا أصل مطرد في جميع الدعاوى (١).
ففي مسألتنا هنا: إن قال البائع في الجواب: إن المشتري لا يستحق الرد بهذا العيب، كان جوابًا صحيحًا وحلف عليه خاصته؛ لأنه قد يبيعه وبه العيب، ثم يسقط رده بالرضا به، فلو أمره الحاكم بالحلف على أنه باعه وما به عيب.
فإما أن يحلف كاذبًا، وإما أن ينكل فيرد اليمين على المشتري، فيحلف ظالمًا، وإن قال: بعته بريئًا من هذا العيب، فهل يحلف عليه أو يقتصر في التحليف على نفي الاستحقاق؟! فيه وجهان؛ أصحهما الأول.