للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقل مراتب هذا أن يخرج على الوجهين المتقدمين؛ فيما إذا طرح في العصير ما يستعجل به الحموضة وقد يفرق، ويقال: ما نحن فيه أولى بالطهارة؛ لأن نبيذ التمر والزبيب كله شيء واحد، صار بالشدة المطربة خمرًا نجسًا، فيصير بالتخلل خلًّا طاهرًا، أو لا يفصل حكم بعضه عن بعض؛ لأن إبعاضه لا تستقل بخلاف العصير والخمر الذي طرح فيه شيء خارج عنه لم ينتقل إلى طبيعته حتى يتنجس بتخمره، بل بملاقاة الخمر له، فلذلك لا يطهر بالتخلل؛ لأن التخلل لا ينقله عن طبيعته إلى سواها، وإذا لم يطهر بالتخلل لم يطهر الخل لاختلاطه به، ويصير كما لو خللت بعين، ونبيذ التمر ليس خمرًا خللت بعين، وإنما الماء والتمر كلاهما خمر تخلل، فلذلك تظهر طهارته إذا تخلل بنفسه كسائر الخمور، والتعلق بأن الماء ينجس بالتخمر ليس بجيد، فإن الماء هو الذي صار خمرًا، إنما اكتسبه من حلاوة التمر والزبيب، فليس متنجسًا، ولكنه نجس العين؛ إذ لم تلاقيه عين نجسة غيره.

وهذا القول وإن كنا لم نر أحدًا تقدمنا إليه، لكنه مأخوذ من الحكم بالطهارة فيما إذا ألقى في العصير ما يستعجل به الحموضة كما تقدم الخلاف.

ولا شك أن هذا أولى بالطهارة كما أوضحناه، ويؤيد ما تقدم من أن الماء الموضوع حالة العصير المحتاج إليه يطهر قولًا واحدًا، فإذا جزمنا بطهارته، وإن كان خارجًا عن الخمر للحاجة، فلأن يحكم بطهارة ما هو الخمر بعينه أو جزؤها أولى وأخرى.

وفي "فتاوى البغوي" (١) عن القاضي: "أنه لو ألقى ثوبًا في خمر وتركه فيه


(١) انظر: الغرر البهية للسنيكي (١/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>