قلت: والصحيح ما قاله العراقيون، ولذلك لا يجوز للراهن الإبراء منه وتسميته مالًا أو لا، خلاف لفظي لا يضر في التعلق به، وقبل القبض إذا جنى على المرهون تقدم عن الإمام؛ أن في بطلان الرهن به خلافًا، وهو غير بعيد والقواعد تقتضيه.
فعلى ذلك إن قلنا: ببقاء الرهن وهو الراجح، فالوجه أنه يوصف بالرهنية أيضًا، ويكون جائزًا كما كان الرهن في العين جائزًا، وكون قبض الدين هو المانع من صحة رهن الدين مختلف فيه، كما تقدم عند الكلام في رهن الدين، وبتقدير تسليمه، فهو مشترك بين ما قبل القبض وبعده، فلا يظهر الفرق به.
وقد تقدم في رهن الدين ابتداء، خلاف فإن جوَّزناه فلا إشكال هنا في وصفه بالرهن، وإن منعناه وهو الصحيح المنصوص، فالعذر ها هنا أنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، وسبب ذلك هنا أن بدل المتلف أقيم شرعًا مقامه، فوجب أن تجري عليه أحكامه.
الثالث: سواء أوصفناه بكونه مرهونًا أم لا، فالقابض له مَن كان الرهن في يده، كما تقدم عن الماوردي، وكذلك يدل عليه كلام غيره، وقد قدمنا من كلام الشافعي ما يقتضيه أيضًا، وما يمكن معارضته به وجمعنا بينهما؛ بأنه إذا ثبت الأرش لم يقبضه غير من كان الرهن في يده، وإذا لم يثبت بأن كانت الجناية موجبة للقصاص ولم يعف عنها، فبدر من عليه الدم بإعطاء البدل عنها للراهن، فأخذه على وجه المصالحة صحَّ ووقع الموقع وتعيَّن بقبضه للأرش، وتعلق حق المرتهن به، فحينئذ يجب ردُّه إلى مَنْ كان الرهن في يده.