وإن قلنا: لهم الحلف على رأيٍ عند نكوله عن اليمين، كما ذلك رأي الجمهور خلافًا لأبي محمد، فإنه جعل ابتداء الدعوى تلو الحلف، فقال: إنهم يدعون حيث يحلفون، والمشهور القطع بأنهم لا يدعون.
وإن قلنا: يحلفون وأيضًا، فإن الأصح أن غرماء المفلس لا يحلفون، وذلك يقتضي أن الأصح أن المرتهن لا يخاصم وإن امتنع الراهن.
قلت: أما كونهم لا يدعون على المشهور، وإن قلنا يحلفون؛ فلأن لهم مندوحة عن ذلك، وهو الحاكم يقيم من يدعي فإنه ناظر لهم، وقد حجر على المفلس لحقهم، فيناسب أن يطلب ماله من الأموال؛ ليوفي بها دينه، والراهن ليس محجوزًا عليه من جهة الحاكم.
وأما كون الغرماء لا يحلفون على الصحيح ومن ضرورة ذلك أنهم لا يدعون، وذلك يقتضي عدم مخاصمة المرتهن بالقياس عليهم، فالفرق أن للمرتهن تعلقًا خاصًّا، فالرهن أكثر من تعلق غرماء المفلس بأعيان أمواله، فإن الغرماء لا يد لهم على مال المفلس، وإنما حقهم في ذمته، والذي يحدد منعه من التصرف خاصة، فليس لهم الدعوى بما لا يستحقون وضع اليد عليه، ولا الحلف فيه؛ إذ لا استحقاق لهم إلَّا بعد استحقاق المفلس.
وأما المرتهن فحقه في العين ووضع اليد عليها، فدعواه انتزاعها ممن هي في يده دعوى بخاصِّ حقه مستقلًّا به، فلم يمنع منه، وممن قال به شيخ القفال فيما نقله القفال عن خطه، وقال صاحب "التهذيب": "إنه القياس"(١)، والمراد بالمخاصمة الدعوى والاستحلاف وإقامة البينة ويمين الرد، وأما المال إذا حصل، فيأخذه من الرهن في يده.