وإن قلنا: بقيمة يوم التلف ضمن بالقيمة، وهذا من المصنف تصريح بإيجاب القيمة في المستعار المثلي؛ لأن الصحيح عنده وعند غيره أن الاعتبار بيوم التلف، ويوافقه إطلاق كثير من الأصحاب: أن العارية يضمن بقيمتها يوم التلف، وإذا ثبت ذلك في العارية لم يبعد طرده في المستام والبيع الفاسد والمفسوخ، فكيف وإطلاق المصنف وغيره في هذه المسائل على ذلك، وفي ذلك أقوى شاهد من حيث النقل لما قاله الماوردي. قلت: الظاهر أن مستند من قال ذلك في العارية أن المثلي ربما نقص بالاستعمال، فلو ضمنا المثل لكنا قد أوجبنا الأجزاء المستحقة، وهذا المعنى مفقود في المسائل التي نحن فيها على أن ذلك غير مسلم في العارية أيضًا، فقد نبه ابن أبي عصرون في "الانتصار" على أن أصح الطريق أنه يضمن المستعار المثلي بمثله.
والطريق الثاني: ما ذكره المصنف، ثم استدل بأن نقصان ما لا مثل له كان بالاستعمال المأذون فيه، والمثل لا ينقص بالاستعمال، فتعين المثل فيه.
وقال: قلته تخريجًا، ثم إنه جزم بذلك في "المرشد"، فهذه المسائل الأربعة: المستام، والبيع الفاسد، والمفسوخ، والعارية، قد ردت علينا بعد أن كنا نستبينها (١) على رأي الماوردي، والمصنف من ضمان المثلي بالمثل مع مسألتين أخريين صحيحتين؛ وهما: الماء في المفازة، ولبن المصرَّاة لا يضمنهما بالمثل، وإن كانا مثليين لعلة معروفة في غير هذا الموضع، والخمر في الصيف؛ كالماء في المفازة، وذلك مبين في باب الغصب.
فرع
ما ذكرناه من وجوب القيمة في الهلاك الحسي لا خلاف فيه، وهو كذلك في الهلاك الشرعي؛ كالاستيلاد، والعتق، والوقف، والهبة