للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسبة إليهما في أول الكلام أنا أوردنا (١) أصل الحديث من غير تقييد بروايةٍ، وقوله: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ"؛ معناه: لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفكه صاحبه، وكان هذا من فعل الجاهلية، أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المعين المشروط ملك المرتهن الرهن، فأبطله الإسلام، روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢) عن معاوية بن عبد الله بن جعفر، أن رَجُلًا رهَن دارًا إلى أجلٍ، فلمَّا حلَّ الأجلُ، قال المرتهنُ: داري، فقال رسول الله : "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ". يقال: غلِق الرهن بكسر اللام، يَغلَق بفتحها، غلَقًا بفتحها وغلوقًا أيضًا، أي: استحقه المرتهن، قال زهير:

وفارَقَتْكن برهن لا فكاك له … يومَ الوداع فأمسى الرهن قد غَلِقَا

والغَلْقُ في الرهن ضدَّ الفك فإذا فك الراهنُ الرهن فقد أطلقه من وثائقه عند مُرتهنه، وقد أغلقت الرهن فغلق، أي: أوجبته للمرتهن فوجَبَ، ومنه قول حُذيفة بن بدرٍ لقيس بن زهير: ما غدا بك؟ قال: غدوت لأواضعك (٣) الرهان، أي يبطله، قال: بل غدوتَ لتُغْلِقَهُ (٤)، أي: لتوجبه وتؤكدهُ، وغلق ظهر البعير لكثرة الدّبْر لا يبرأ، واستغلق الكلام: أرتج، وكلام غلق؛ أي: مُشكل، وغَلِقت النخلة ذوت أصول سعفها، فانقطع حملها، وأغلق الباب وانغلق واستغلق عَسُرَ فتحه، وأغلقته أنا وفي لغةٍ رديَّة غلقتُهُ والقاف في قوله: "لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ" مكسورة ومضمومة، وذكر أبو عبيد لقوله: "لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ" تأويلين؛ أحدهما: أن المرتهن لا يملكه عند تأخر الحق. والثاني: أنه لا يكون غلقًا يتلف الحق بتلفه، قال: فوجب حمله عليهما جميعًا (٥).


(١) في هامش المخطوطة: "أردنا".
(٢) مصنف ابن أبي شيبة (٢٢٨٠٠).
(٣) في المخطوطة: "حيث لأواضعك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٤) أمثال العرب لمفضل الضبي (ص ٥٣ - ٥٤).
(٥) انظر الحاوي الكبير (٦/ ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>