للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وجه الاستقلال مع تراخي أحدهما عن الآخر، وتعليل الإمام سالم عن هذه الأعراض، غير أنه إنما يتم له ذلك في الصور الثلاث بعد تقرير أن فسخ البائع إذا كان محقًّا كرجوع المفلس، وفسخ المشتري المحق أولى، والذي يخص الانفساخ بالظاهر مطلقًا قد سارع في ذلك؛ لأنه إنما تعذر بتقيده في الظاهر دون الباطن، وكل منهما قد يتوصل إلى الظَّفَر بحقه، بخلاف الفلس والتعذرات المحققة الموجبة لفسخ المشتري، ولو أن أحد المتبايعين جحد الآخر البيع بالكلية وحلف عليه ولم يكن للمدعي بينة فما أظن الأصحاب يسمحون بإثبات الفسخ له فضلًا عن القطع به، ولو كان التعذر في الظاهر مبنيًّا لذلك لكنا نقول للمدعي: إن كنت محقًّا، فلك فيما بينك وبين الله تعالى أن تفسخ.

نعم قد تقدم من نقل الهروي عن الشافعي نص (١) يقتضي التعريض يقول: إنه بالجحود والحلف ينفسخ العقد، والمشهور خلافه، وأيضًا فليس فيه إثبات الفسخ لأحدهما، لكن قد يقال: إن الشرع لما جوز الفسخ بعد التحالف فالأليق أن يعوض ذلك إلى المحق ونتيجته الانفساخ باطنًا، ولما كان المحق غير معلوم كان لنا في الطريق إليه أمران؛ إما أن يقول بفسخ كل منهما، فيتحقق صدور الفسخ من المحق، كما نبهت عليه فيما تقدم، وقلت: إنه لم يصرح به أحد من الأصحاب مع حسنة واحدة من كلام ابن الصباغ، وإما أن يقال: إنا نعوضه في الظاهر إليهما ونحكم بانفساخه بكل منهما ظاهرًا، فمن كان هو المحق، وفسخ؛ فقد نفذ ظاهرًا وباطنًا، والحاكم كالمحق؛ لأنَّا نقطع بتفويض الفسخ إليه؛ إما استقلالًا: إما على وجه، وإما بحكم امتناعهما على وجه.

والطريقة الأولى أقرب إلى التحقيق، والثانية أقرب إلى كلام الأصحاب، وعلى كل حال، فيظهر في فسخ المحق الانفساخ ظاهرًا وباطنًا ولا يلزم


(١) انظر: كفاية النبيه (٩/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>