للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استبدادًا على الوجه الثاني القائل بأن الفسخ للحاكم، وإما بعد أمرهما وامتناعهما على الوجه الثالث القائل بأن الفسخ للمتبايعين، فإن الحاكم إذا أمرهما وامتنعا فسخ خلافًا لإطلاق الرافعي المقتضى؛ لأن الحاكم يفسخ عند استمرارهما على المنازعة من غير عرض الفسخ عليهما وامتناعهما منه.

والحاصل: أنا إذا قلنا: الفسخ للمتبايعين، فلا حق للحاكم فيه إلَّا إذا امتنعا منه، فيقوم عنهما كما في سائر الحقوق الواجبة، قال أبو سعد الهروي: وغلط من قال من أصحابنا: إن الفسخ من القاضي يقف على طلب المتبايعين أو أحدهما؛ لأن القاضي لا يتركهما يتماديان في الخصومة، بل يقول لهما: إما أن ترضيا بأحد الثمنين، وأما إن أفسخ بينكما، كالفسق بالشقاق بين الزوجين، وكمسألة المُولي لنا أما إذا أعرضا عن الخصومة ولم يتوافقا على شيء، ولكن زعم المشتري أنه ترك المبيع في يد البائع إن كان قبل القبض، وقال البائع: لست أطالب المشتري بالمزيد الذي ادعيته فاتركنا، ولا يفسخ العقد بيننا، ففيه تردد الإمام (١)، والذي قاله الماوردي: "أنه لا يجوز للحاكم الفسخ إلا عن مسألتهما بعد عرض ذلك على كلٍّ منهما، كما يعرضه على الثاني بعد يمين الأول" (٢).

قلت: ومن ذلك يتبين أن الحاكم لا يبتدر الفسخ بعد التحالف، وكذلك يقتضي كلام كثير من الأصحاب إذا فوضنا الفسخ إليهما إن ذلك مشروطًا بامتناعهما، فحينئذ يجوز لكل منهما، ولا للحاكم أن يبتدر الفسخ حتى يتحقق عدم الرضا منهما، فلو رضي أحدهما لم يجز الفسخ، ولا خلاف في ذلك، وإنما نبهت على ذلك؛ لأن عبارة بعض المختصرات توهم استقلال


(١) نهاية المطلب (٥/ ٣٥٢).
(٢) الحاوي الكبير (٥/ ٣٠٣). بتصرفٍ يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>