ولهذا كان مذهب الجماهير أصوب. قال الحافظ في "الفتح" (٤/ ٣١٩): وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة، فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك؛ لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشروع عند مالك، وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقًا، وأومأ إليه الشافعي في القديم، وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة، وعطاء بمسجد مكة والمدينة، وابن المسيب بمسجد المدينة. وقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" بعد سياقه الحديث: فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه إخبار حذيفة ابن مسعود أنه قد علم ما ذكره له عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وترك ابن مسعود إنكار ذلك عليه وجوابه إياه بما أجابه به في ذلك من قوله: "لعلهم حفظوا". نسخ ما قد ذكرته من ذلك، وأصابوا فيما قد فعلوا، وكان ظاهر القرآن يدل على ذلك وهو قوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فعم المساجد كلها بذلك، وكان المسلمون عليه من الاعتكاف في مساجد بلدانهم، إما مساجد الجماعات التي تقام فيها الجمعات، وإما هي وما سواها من المساجد التي لها الأئمة والمؤذنون على ما قاله أهل العلم في ذلك. وقال العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه اللَّه في "الشرح الممتع" (٦/ ٥١٢): وإن صح هذا الحديث فالمراد به لا اعتكاف تام، أي ان الاعتكاف في هذه المساجد أتم وأفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، كما أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى، ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، فقوله تعالى: {الْمَسَاجِدِ} =