الحمد للَّه مُعز الإسلام بنصره، ومُذل الشرك بقهره، ومُصَّرف الأمور بأمره، ومُزيد النعم بشكره، ومُستدرج الكافرين بمكره، الذي قدَّر الأيام دولًا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاض على العباد من طلِّه وهطله، الذي أظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يُمانَع، والظاهر على خليقته فلا يُنارع، الآمر بما يشاء فلا يُراجَع، والحاكم بما يريد فلا يُدافَع، أحمده على إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه، ونصرة أنصاره، ومطهر بيت المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر إجهاره، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رافع الشك، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السموات العلى، إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين وجامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. (١)
(١) هذا المصدر من أول خطبة ألقيت في المسجد الأقصى في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي، ألقاها القاضي محيي الدين بن الزكي، ذكر فيها فضائل المسجد الأقصى وكان أول ما قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} عند ذلك تلي التنزيل وجاء الحق وبطلت الأباطيل، وصفَّت السجادات، وكثرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، ونزلت البركات، وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذن المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البوس، وطابت النفوس، =