وقد تابع أبا وائل إبراهيم على رواية الوقف، فقد أخرجه عبد الرزاق (٨٠١٤)، وابن أبي شيبة (٢/ ٥٠٣)، والطبراني في "الكبير" (٩/ ٣٠١ رقم ٩٥١٠) ثلاثتهم عن الثوري، عن واصل الأحدب، عن إبراهيم، عن حذيفة. وإسناده منقطع، إبراهيم لم يدرك حذيفة، وقد روي عن إبراهيم بإسناد آخر عند الطبراني في "الكبير" (٩/ ٣٠١ رقم ٩٥١٠)، وهو معلول أيضًا بالعلة السابقة. وقد صحح الطريق المرفوع الإمام الذهبي فقال في "السير" بعد سياقه الحديث: صحيح غريب عال. وصححه أيضًا على الرفع العلامة الألباني رحمه اللَّه كما في "السلسلة الصحيحة" (٢٧٨٦) وقال: واعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية المسجد للاعتكاف، وصفته كما تراه مبسوطًا في "المصنفين" و"المحلى"، وغيرهما، وليس في ذلك ما يصح الاحتجاج به سوى قوله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} وهذا الحديث الصحيح، والآية عامة، والحديث خاص، ومقتضى الأصول أن يحمل العام على الخاص، وعليه فالحديث مخصص للآية، ومبين لها، وعليه يدل كلام حذيفة وحديثه، والآثار في ذلك مختلفة أيضًا. قلت: لا نسلم بهذا، والحديث ليس فيه نفي أصل الاعتكاف في باقي المساجد، والنفي هنا محمول على نفي الكمال والتجويد، وليس على نفي أصله، وهذا مستفيض في السنة، ولو حملنا كل حديث على نفي أصله؛ لأخرجنا أصحاب المعاصي من الإسلام. لذا قال أبو عبيد في "الإيمان" (٤٠ - ٤١): وإن الذي عندنا في هذا الباب كله أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيمانًا، ولا توجب كفرًا، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت اللَّه به أهله، واشترطه عليهم في مواضع من كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)}، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)}، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)}. قال أبو عبيد: فهذه الآيات التي شرحت وأبانت شرائعه المفروضة على أهله، ونفت عنهم المعاصي =