وحدث بأحاديث شداد بن أوس وأنى في الإسراء كما ردَّ (ص ٤٣) على قول أن ذلك كله رؤيا نوم لا رؤيا يقظة، وأجمل به من كلام. وقال أبو جعفر الطحاوي كما في "ترتيب شرح المشكل" (٥/ ٥٧٩): وكان ما رويناه عن ابن مسعود وأنس وأبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إثبات صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هناك أولى من نفي حذيفة أن يكون صلى هناك؛ لأن إثبات الأشياء أولى من نفيها؛ ولأن الذي قاله حذيفة: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لو كان صلى هناك لوجب على أمته أن يأتوا ذلك المكان، ويصلوا فيه، كما فعل -صلى اللَّه عليه وسلم-. فإن ذلك مما لا حجة لحذيفة فيه، إذ كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأتي مواضع ويصلي فيه، لم يكتب علينا إتيانها، ولا الصلوات فيها، بل قد نهى عمر بن الخطاب عن تتبع تلك المواضع والصلوات فيها. ثم قال (ص ٥٨١): ردًّا على قول حذيفة "لو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه": المساجد التي صلى فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه المواضعٍ لم يجب على أمته إتيانها، ولا الصلاة فيها لإتيان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إياها ولصلاته فيها، فمثل ذلك أيضًا صلاته في بيت المقدس على ما في أحاديث ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة لا يجب به إتيان الناس هناك، ولا الصلاة فيه، وأبين من هذا أنه لا مسجد أجل مقدارًا، ولا أكثر ثوابًا من الصلاة فيه بعد المسجد الحرام من مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يكتب على الناس إتيانه ولا الصلاة فيه، كما كتب عليهم ما كتب من مثل ذلك في المسجد الحرام، وفيما ذكرنا في هذا ما قد دل على رتبة عمر -رضي اللَّه عنه- في العلم أنها فوق رتبة من سواه رضوان اللَّه عليه، وعلى سائر أصحابه، وأما ما ذكرناه أيضًا عن حذيفة -رضي اللَّه عنه- من دفعه أن يكون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط البراق ليلتئذ على ما في حديثه =