فيه خلاف أيضًا، فكان قياسه عليه أولى من قياس رهن مال الغير على بيعه؛ لأن الأصل مختلف فيه، فالذي اعتمده المصنف أولى، ولولا ذلك لكان قياس الرهن على البيع؛ لكونه ثابتًا بالنص العام أولى؛ وبهذا تنبه على أن القياس على المجمع عليه أولى من القياس على ما ثبت بدلالة العموم ولا شك في ذلك؛ لأن دلالة العموم أضعف من دلالة الإجماع بالإجماع.
فإن قلت: المصنف جعل الجامع بين الأصل والفرع؛ كونه لا يقدر على تسليمه ولا بيعه والأول: حِسي مُسَلم.
والثاني: شرعي ممنوع عند من يقول ببيع الفضولي، فلم لا استغنى عن ذكره بالأول، وسلم من هذا الاعتراض؟!
قلت: لا يستغنى عنه ولا يرد عليه الاعتراض، أما الأول؛ فلأن مقصوده التنبيه على أن الرهن يتبع البيع؛ لأن المقصود منه لوفاء الدين، وأما دفع الاعتراض؛ فلأنه لم يقل لا يقدر على بيعه مطلقًا، وإنما قال: لا يقدر على بيعه في الدين، ولا شك أن من قال ببيع الفضولي لا يبيح له التصرف، وأن يوفي ثمنه في دينه، بل هو موقوف على إجازة المالك، وكلا الوصفين موجود في الطير الطائر والعبد الآبق، وقد أفهم كلام المصنف إن رهن مال الغير بإذنه جائز، وهذا المفهوم معمول بعمومه هنا - أعني: سواء رهنه بدين صاحبه أم بدين نفسه - والصورة الأولى: هو وكيل محض لا اختصاص له بهذا الباب، بل جاز في البيع وغيره، والصورة الثانية: لا يجوز مثلها في البيع، وهي أن يبيع مال الغير بإذنه لنفسه، والفرق أن البيع تمليك بعوض، فلا يجوز أن يملك هو الثمن والمثمن ليس له.
أما الرهن فاستيثاق، والاستيثاق يحصل بما لا يملك، كما يحصل بالكفالة والإشهاد، ولو أذن من عليه الدين للمالك في أن يرهن عبده بدينه،