بعض الدين لم ينفك شيء، فلا منافاة بينه وبين ما نقله ابن المنذر من الإجماع، وما قاله المصنف إلا في تحرير عبارة، ولو رهن دارًا فانهدمت كانت عرصتها وما فيها من الخشب وغيره من أجزائها رهنًا بحاله، ومن المعلوم أن بتلف المرهون ينفك الرهن، وبتلف بعضه ينفك في التالف وإنما مقصود المصنف أنه لا ينفك من الرهن شيء مع بقائه، ولا فرق في انهدام الدار بين أن يكون بعد القبض أو قبله، وإذا انهدمت إحدى الدارين المرهونتين قبل القبض أو امتنع من تسليمها، ولم يسلم إلا الأخرى، وكان الرهن مشروطًا في بيع ثبت الخيار.
واعلم أن الانفكاك أخص من الفسخ، فإن الانفكاك يحصل بأمور منها الفسخ يرتفع به العقد، ومن ضرورته الانفكاك، ومنها تلف المرهون بآفة سماوية وهو انفكاك، وليس بفسخ هذا إذا كان بعد القبض، أما قبل القبض فقد قدمنا أن التلف فسخ، فإما أن يكون ذلك على ضرب من التجوز، وإما أن يكون لكون العقد جائزًا، وأما تلفه بسبب مضمون بعد القبض صرحوا بأنه ليس بفسخ، ولا فك، بل يبقى الرهن في البدل وفيما قبل القبض هل نقول: هو كذلك، ويبقى الرهن في القيمة جائزًا أو نقول: انفسخ لضعفه قبل القبض، والأقرب الأول، ويمكن أن يؤخذ من قول صاحب "التنبيه": "وإن جنى عقبه تعلق حق المرتهن بالأرش"(١)، فإنه لم يفصل فيه بين أن يكون بعد القبض أو لا، وكذلك من أطلق من الأصحاب هذا الحكم، وقد أجرى الإمام منه خلافًا نذكره فيما إذا رهن مالًا يتسارع إليه الفساد، ثم طرأ قبل القبض ما يعرضه للفساد، وعبارة المصنف هنا أحسن من عبارته في "التنبيه".