فإن رهن شيئًا ثم تصرف فيه قبل أن يقبضه نظرت، فإن باعه أو جعله مهرًا في نكاح، أو أجرة في إجارة، أو وهبه وأقبضه، أو رهنه وأقبضه، أو كان عبدًا، فكاتبه أو أعتقه؛ انفسخ الرهن؛ لأن هذه التصرفات تمنع الرهن، فانفسخ بها الرهن.
تقدم أن الرهن قبل القبض جائز من الطرفين فينفسخ بهذه التصرفات وأكثرها يُزيل الملك، ومنها ما لا يزيله، ويجمعها ضابط وهو: كل ما يمتنع معه الرهن، ومن حمله ذلك أن يقربه لغيره أو نفقة على جهة عامة أو على معين. كما قاله الماوردي، وكذا وطء الجارية مع الإحبال، وتحرير الضابط أن يقال: كل تصرف يمنع الرهن لو كان موجودًا عند الرهن، فإن الرهن ينفسخ بطريان ذلك التصرف عليه قبل القبض، وهذا يطرد لا يستثنى منه شيء، ولا يرد أن الأصح عدم الانفساخ بتخمر العصير وجناية العبد وإباقه وموت العاقد، لأن كلامنا في التصرفات لا في كل ما يمنع الرهن، وأما عكس هذا الضابط، فيستثنى منه الرهن من غير قبض على المنصوص، وأمور أخرى على وجه كما ستعرفه، وكلام الأصحاب يقتضي القطع بصحة هذه التصرفات التي ذكرها المصنف، ولا يأتي فيها الخلاف المذكور في تصرف البائع في زمن الخيار، والفرق ضعف العقد هنا وقوته هناك، وبحث ابن الرفعة أنه روعي في المنع هناك أن اللفظ الواحد لا يكون رافعًا مثبتًا، وهذا موجود هنا فإن لفظ الرهن الثاني مثبت لرهن آخر، وارتفاع الأول به إما وحده على الأصح - كما سيأتي - وإما مع القبض.