للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمتولي، والبغوي (١)، فإنهما تكلَّما في ذلك على قولنا باليمين الواحدة.

وأما الرافعي، فإنه في آخر كلامه في التفريع على اليمينين قال: "إن القول في تقديم النفي أو الإثبات كما في اليمين الواحدة" (٢)، وفي هذا موافقة لما قاله أبو حامد، غير أن الرافعي يختار أن ذلك على جهة الاستحباب، ومقتضاه أنه يجوز عنده في التفريع على اليمينين تقديم الإثبات، وفيه بعد، فإن تقديمه في اليمين الواحدة قد يحتمل؛ لأن النفي والإثبات فيها كالشيء الواحد، ولا كذلك في اليمينين.

وأما الشيخ أبو حامد، فلا يرد عليه ذلك؛ لأنه قد يختار أن ذلك على سبيل الوجوب، فلا يلزم جواز تقديم الإثبات إلَّا على رأي الإصطخري خاصة وهو يلزمه إذا عرف ذلك، فحجة الإصطخري القياس على اللعان؛ لأنه عند الشافعي يمين، ثم إن الله تعالى بدأ فيه بالإثبات، فقال: ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧)[النور: ٦، ٧].

فقدم الإثبات للصدق على النفي للكذب، وقد أغرب سلامة في شرح هذا الوجه، ورأيت أيضًا أبا الحسن بن خيران في "اللطيف في صنعة اليمين" قدم الإثبات ورد الأصحاب ذلك بأن المنفي هو الأصل في اليمين، وإنما ينقل إلى الإثبات بنكول أو شاهد أو لوث وليس ها هنا شيء من ذلك، فوجبت البدأة بالنفي، ويخالف اللعان؛ لأنه إثبات لا نفي فيه؛ لأنه لا فرق بين أن يقول: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٦]، وبين أن يقول: إنه ليس من الكاذبين، فإنه مثبت للصدق في الحالتين جميعًا، أي: على مذهب أهل


(١) التهذيب (٣/ ٥٠٥).
(٢) فتح العزيز ط العلمية (٤/ ٣٨٣) بمعناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>