لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون في يد المرتهن عن وديعة أو عارية أو غصب على ما صرح به الأكثرون ومنهم من قطع في المغصوب بافتقاره إلى إذن جديد؛ لأن يد الغاصب غير صادرة عن إذن المالك أصلًا ولا يبرأ الغاصب بالرهن، وإن تم ولزم عن الغصب خلافًا لأبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني، وقد ذكره المصنف في باب الغصب.
لنا: أن الدوام أقوى من الابتداء، ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان بالتعدي في المرهون، ويبقى الرهن بحاله، فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان أولى بخلاف البيع، فإنه يزيل الملك وبخلاف الوديعة.
إن قلنا: يبرأ بها وهو الأصح؛ لأنها منافية للضمان، فإن المودع يده للمالك والمرتهن يده لنفسه، وقد اعترض الإمام بأن طريان الضمان يتعدى المرتهن سببه إحداث المرتهن ما لم يكن له أن يحدثه، وليس سببه هذا إذن المالك للغاصب في الإمساك، قال:"ومن لا يستشعر غموض هذه المسألة فليس من الفقه في شيء فإن سبب الضمان التعدي وقد انقطع بالإذن في الإمساك في جهة غير مضمونة"(١)، وقال الجوري: ما معناه: فإن قيل: إن حصل القبض عن الرهن، فلا ضمان وإن لم يحصل فلا رهن.
قلنا: إن قبض الغاصب ذو وجهين، فمن حيث جاز أن يكون قابضًا من غيره لنفسه جاز إذا أمره الراهن بالقبض أن يقبض لنفسه مرتهنًا، ومن حيث أنه قابض لغيره من نفسه، لم يبرأ عن الضمان فصار قابضًا من جهة غير قابض من جهة؛ كالثمرة على رؤوس النخل مقبوضة بالتخلية من وجه دون وجه. انتهى.