وإما أنه بيمين واحدة أو بيمينين، فسيأتي، وقد استدل بعضهم للجمع بين النفي والإثبات، فالقياس على ما لو كان بينهما عين فتداعياها قال: لأن النبي ﷺ حلف في العين لما تداعياها اثنان على النفي والإثبات.
قلت: وهذا الحديث، وقول المصنف؛ لأنه يدعي عقدًا يرد أن يرد أن المدعي لا يحلف إلَّا إذا نكل المدعى عليه، ومع حلف كل منهما على النفي لا نكول، فكيف يتوجه يمين الإثبات وقياس الخصومات الاقتصار على يمين النفي من كل منهما، ولكني لم أر من قال بذلك، إلَّا الشيخ أبا محمد، فإنه يقول به إذا قلنا بيمينين كما سيأتي، ولم يقل به مطلقًا فيما أعلم، والقياس القول به مطلقًا من أصل المسألة، ولا دليل من الحديث يرده، وعند الانتهاء إلى قول الشيخ أبي محمد يعرف مغايرته لذلك، وأنه لم يقل بأن كلَّا منهما يحلف على النفي على قياس الخصومات، ولو وجدته له أو لغيره من الأصحاب وجهًا كنت أقول به للقياس، وعدم الدليل على خلافه، ثم إني تأملت، فوجدت يتلخص من قول الشيخ أبي محمد وجه بالاكتفاء بيميني النفي، وإن كان لم يوف بمقتضى ذلك كما سنقف عليه فلا عليَّ حرج إذا وافقته في أصل قوله الذي هو على وفق القياس ثم وفيت بمقتضاه تبعًا للدليل، وقوله في الحديث:"تحالفا" إن ثبت أحمله على الحلف من الجانبين، وإطلاق التحالف على الجمع بين يمينين من كل جانب و تخصيصه به إنما هو من اصطلاح الفقهاء، فلا يجب حمل الحديث عليه، ولا يرد على هذا إلَّا شيء واحد، وهو قوله في الحديث:"فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ"، فإنه قد يقال: إن ذلك يقتضي حلفه على الإثبات والنفي؛ لأنه جعل القول قوله، أي: مع اليمين، فيحلف على ما قاله، والذي قاله البائع: إنه باع بكذا وما باع بكذا فيحلف على ذلك هذا الذي خطر لي في التمسك للحلف على الإثبات، فإن اتجه ذلك، وإلَّا فالقياس ما تقدم.