يقول البائع: بعت وارتهنت، فيقول المشتري: رهنت واشتريت لتقدم الرهن على أحد شقي البيع، أو لتقدم أحد شقي الرهن على جميع البيع، قال الإمام:"وكان شيخنا أبو محمد لا يفرق بين أن يقول البائع: ارتهنت وبعت، أو بعت وارتهنت، والأحسن الفرق"(١) أما المشترى، فلا بد أن يقدم لفظ الشراء حتى يكون تمام الرهن بعد تمام البيع إلا على الوجه الضعيف في رهن ما لم يجب، ومراد الشيخ أبي محمد بعدم الفرق أنه يفسد فيهما، ومراد الإمام بالفرق أنه يفسد في الأول، ويصح في الثاني، وبما ذكرناه يتبين لك أن انعقاد الرهن بعد انعقاد البيع لا معه.
وقال القاضي حسين: إنا نقدر وجوب الثمن وانعقاد الرهن عقيبه، كما لو قال لغيره: أعتق عبدك عني، ولا يحتاج إلى هذا لما ذكرنا، فإنه متى تأخر، شق الرهن عن شقي البيع تأخر انعقاد الرهن عن وجوب الثمن حقيقةً لا تقديرًا، ولو كان قال: تقدر العقد، لأمكن توجيهه بأن يقدر الإيجاب والقبول كلاهما متأخرين، لكنه قال: الانعقاد، وقول المصنف: مع العقد ليس مخالفًا لما قلناه، ولا لما قاله القاضي حسين، بل محمول على العقد الذي هو الإيجاب والقبول، وهو لا يوجد في زمن واحد، فبمزج الإيجابين والقبولين يصدق أن العقدين وقعا معًا، وإن كان الانعقاد الذي هو أثرهما وقع مترتبًا؛ لأنه حكم شرعي يقع عند تمام موجبه، وعقد البيع، ثم عقد الرهن، فيجب الثمن قبل حصول الرهن غاية ما في الباب أن يقال: مقتضي امتناع تقديم الرهن امتناع تقديم كل من شقّيه، فيقول: هذا هو القياس، ولكن خرجنا عنه للمصلحة كما سبق، والخصم القائل بالرهن على ما لم يجب يورد علينا هذه المسألة، وقد بان جوابها، والحكم بصحة الرهن في