للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف في ذلك يقرب من الخلاف فيما لو دفع إليه درهمًا، وقال: ادخل به الحمام لما رأى به من الشَّعث والوسخ أنه هل يتعين صرفه لذلك، أو له أن يصرفه فيما شاء، فإن قلنا: له أن يصرفه فيما شاء، كما أبداه القاضي حسين احتمالًا في "فتاويه" فها هنا مثله.

وإن قلنا: يتعين صرفه لتلك الجهة وهو قول القفال، فيحتمل أن يقال بمثله هنا، ويحتمل أن يقال: إنا هناك على هذا القول لا يحكم له بالملك بمجرد الأخذ، بل بالدفع والصرف، كما قاله القاضي في "الفتاوى"، وها هنا قد حكمنا له بالملك على القول الذي عليه نفرع.

وقد يفرق بين المسألتين بأن أهل العرف لا يستنكرون ممن أخذ الدرهم صرفه في غير تلك الجهة ويستنكر من المصنف بيع الطعام المقدم إليه، وأما الرافعي فإنه جزم بأن الخلاف بم يملك مخصوص بما يأكله قال: "ولا نقول بأنه يملك ما يوضع بين يديه، أو يأخذه بحال، ولو قيل [به] (١)، لما منع من إطعام السائل وسائر التصرفات وهي ممتنعة بالاتفاق" (٢).

قلت: إن أراد بذلك القدر الزائد على ما أتيح له في العادة مما قدم له فغريب، وإن أراد مطلقًا حتى إنه إذا أراد أن يحرم نفسه ويطعم ذلك المقدار الذي كان يكفيه لو أكل لغيره، فقد علمت الخلاف فيه في البيع والهبة، ولا شك أن مَن يجوِّزهما يجوِّز إطعام ذلك القدر للسائل، وحمله إلى بيته.

وأما إلزام ابن الصباغ للشيخين بأخذ جميع ما قدم إليه، ونقله إلى بيته، فلا يلزم إلَّا إذا كان مأذونًا فيه جميعه، وحينئذٍ يلتزمه، وكل ذلك جره القول بالملك.

وأما القول المختار: أنه لا يملك، فلا يرد عليه شيء من الإشكالات،


(١) زيادة لا بد منها وضعناها من "فتح العزيز".
(٢) فتح العزيز ط العلمية (٨/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>