قلت: اختيار البغوي في الاختلاف في صحة العقود وفسادها أن القول قول مدعي الفساد، فينبغي أن يكون هنا عنده القول قول المرتهن؛ لأنه يدعي فساد الرهن؛ سواء أصح البيع أم فسد.
ونظير المسألة: إذا باعه عصيًرا وسلّمه فوجد خمرًا في يد المشتري، فقال البائع: عندك صار خمرًا، وقال المشتري: بل كان عندك خمرًا، وصحّح النووي فيها: أن القول قول البائع (١)، وهو موافق لتصحيحهم هنا: أن القول قول الراهن، ولتصديق مدعي الصحة.
وليعلم أن مسألتنا هنا في الرهن أَوْلَى بتصديق الراهن من تصديق البائع في مسألة البيع؛ لأن هناك لا مأخذ لتصديقه إلَّا إجراء العقود على الصحة، وهنا هذا المأخذ ومأخذ آخر؛ وهو أن المرتهن يقصد فسخ البيع المشروط فيه الرهن والأصل لزومه؛ فلهذا لم يكن الخلاف هنا مساويًا للخلاف، وقال بتصديق الراهن هنا من لم يقل بتصديق مدعي الصحة وهو البغوي.
وقد ذكرنا في شرح هذا الكتاب في باب اختلاف المتبايعين: أنهما إذا اختلفا في حرية المبيع، فالذي جزم به العراقيون: أن القول قول مدعي الصحة.
وأن الجرجاني قال: إذا ادعى المشتري أنه اشتراه خمرًا قُبل قوله وفسد البيع.
وخرجها الرافعي على الاختلاف في الصحة والفساد، ووافق الروياني الجرجاني في قبول قول مدعي الفساد في أن العصير كان خمرًا، والقياس في هذا كله في البيع التخريج على الخلاف، والرهن أولى بتصديق مدعي الصحة لما ذكرناه.